الأوروبيون يضعون الإصبع على الجرح: تناحر المسؤولين سبب الأزمة… عبد الكافي الصمد

لم يأتِ مسؤول السّياسة الخارجية في الإتحاد الأوروبي جوزيب بوريل بجديد، عندما ذكر أمس بعد مباحثات أجراها مع المسؤولين اللبنانيين، بأنّ ″جوهر الأزمة الحكومية في لبنان ينبع من تناحر الزعماء اللبنانيين على السّلطة″، موجّهاً دعوة تشبه النصيحة إليهم بـ″تنحية خلافاتهم جانباً وتشكيل حكومة″.

لكن بوريل لم يكتف بذلك، بل حذّر المسؤولين اللبنانيين من المخاطرة بانهيار مالي كامل، والتعرض لعقوبات، إذا ما استمروا في عرقلة الخطوات الرامية إلى تشكيل حكومة جديدة، وتنفيذ إصلاحات لبنان بأمسّ الحاجة إليها.

تلويح بوريل بالعقوبات لم يكن الأوّل من نوعه الذي يوجّهه مسؤول إوروبي إلى الزعماء والمسؤولين اللبنانيين، من أجل حثّهم على تقديم تنازلات متبادلة بهدف تأليف حكومة جديدة في أقرب فرصة. ومع أنّ بعض هؤلاء قد فُرضت عليه، أو على مقربين منهم، عقوبات معينة، فإنّ كلّ ذلك لم يدفعهم إلى تقديم تنازلات أو التضحية بمصالحهم الخاصة أو ببعضها، من أجل إنقاذ البلد أو بالحدّ الأدنى فرملة إنهياره.

من تابع يوم أمس السّجال الواسع بين وزراء ونوّاب وقيادين في التيّار الوطني الحرّ والقوات اللبنانية، على خلفية السجال الذي دار بين رئيسي التيّار والقوّات جبران باسيل وسمير جعجع، لا يخرج بانطباع مختلف عمّا قاله بوريل للتّو، إذ تدلّ أغلب المواقف المعلنة على “تناحر” حاد بين الطرفين لم تنطفىء نيرانه يوماً، وإنْ بقيت جمراً تحت الرماد، منذ بداية تناحرهما قبل أكثر من 32 عاماً، عندما دارت حرب ضروس بينهما في مناطق نفوذهما في “المنطقة الشرقية”، وتركت جراحاً لم تندمل بعد، وآثاراً سلبية وإنقسامات لم تزل حاضرة، وكأنّ “حرب توحيد البندقية”، كما أسماها العونيون، أو “حرب الإلغاء” كما اطلق عليها القوّاتيون، ما تزال دائرة حتى اليوم بين الطرفين.

ويسري ذلك أيضاً على السّجال والتناحر الذي طبع الأشهر الأخيرة بين فريق رئيس الجمهورية ميشال عون وصهره باسيل من جهة، ومن جهة اخرى مع رئيس مجلس النواب نبيه برّي ومعه رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري، وهو سجال أعاد إلى الأذهان صراع دام طائفي الصبغة، إسلامي ـ مسيحي، طبع الحرب الأهلية بطابعه طيلة نحو 15 عاماً، لم تنته إلا بعد سقوط قتلى وجرحى ودمار وتهجير وخسائر هائلة في مختلف المناطق والقطاعات، ما يزال لبنان يعاني من ذيولها حتى اليوم.

هذا التناحر الذي تحدث عنه المسؤول الأوروبي أمس ليس في حقيقته تناحراً من أجل مصلحة هذه الطائفة أو تلك، أو ذاك المذهب وهذا، أو هذا الحزب والتيّار وغيرهما، بل هو تناحر بين زعماء أحزاب وقادة ميلشيات إستغلوا النّظام الطائفي على نحو بشع جدّاً من أجل تحقيق مصالحهم الخاصة، ومصالح حاشياتهم، وتأمين إستمرار بقاء نفوذهم في بلد يتآكل وينهار يوماً بعد آخر، رافعين شعار أكل الأخضر واليابس في لبنان عند توافقهم، وإحراق الأخضر واليابس فيه حين اختلافهم.


مواضيع ذات صلة:


Post Author: SafirAlChamal