لبنان في مهبّ الرّيح والخوف من ″الإرتطام الكبير″… عبد الكافي الصمد

لا بصيص أمل قريب يوحي بوجود ثمّة إنفراج ما في الأفق اللبناني القاتم، ولا معالم أو بشائر معينة تدلّ أنّ الحلّ للأزمات اللبنانية المتفاقمة قد وجدت طريقها إلى الحلّ، سواء من الداخل أو الخارج، لا بل إنّ مؤشّرات مقلقة عديدة بدأت ترتسم ويجري تداولها في مختلف الأوساط، إن دلّت على شيّىء فإنّها تدلّ على أنّ الأمور ذاهبة نحو الأسوأ.

منذ نحو سنة ونصف، حينما بدأ الإنهيار يسير متسارعاً، آخذاً في طريقه كلّ شيّىء تقريباً، مثل أحجار الدومينو التي تتساقط وراء بعضها، لم يتمّ وضع أيّ خطة للإنقاذ، مؤقّتة أو دائمة، من أجل وضع حدّ للإنزلاق الخطير نحو المجهول قبل انهيار الهيكل على رؤوس الجميع، سياسياً وأمنيا وإقتصادياً وإجتماعياً ومعيشياً.

وصول الأمور إلى هذا الحدّ من السوء والتدهوّر والإنهيار وانسداد الأفق كان أمراً طبيعياً نتيجة سياسة تجاهل الأزمات، مع تركها تتفاقم وتكبر مثل الأورام السرطانيّة الخبيثة، في موازاة إلتهاء السّياسيين والطبقة الحاكمة بمصالحهم الضيقة ومناكفاتهم، وصولاً إلى نفض أيديهم ممّا ارتكبوه بحقّ الوطن والمواطنين.

لكنّ الأخطر من كلّ ذلك هو السيناريوهات المرسومة للبنان في المرحلة المقبلة، والتي لا تبشّر أبداّ بالخير، ولا تدعو للحدّ الأدنى من التفاؤل، وهي سيناريوهات أقلّ ما يمكن أن يُقال فيها إنّها سوداء من العيار الثقيل، ستعيد لبنان واللبنانيين إلى سنوات الحرب الأهلية التي ظنّوا، لوهلة، أنّهم تعلموا منها ولن تتكرّر مرّة ثانية.

وتستند هذه السيناريوهات المستقبلية المتشائمة إلى تطوّرات ملموسة على الأرض لا تترك مجالاً لأيّ نوع من الإستبشار خيراً أو التفاؤل، تبدأ من الإنقسام السّياسي والشلل الذي ستعانيه إدارات ومؤسّسات الدولة، من رأسها إلى أخمص قدميها، والذي سيؤدّي في نهاية المطاف إلى انحلالها، وتحوّل لبنان إلى “دولة فاشلة” وغياب سلطة القانون، وهي أوصاف بدأت أكثر من جهة خارجية تتداول بها.

هذا التطوّر الخطير سوف يؤدّي لا محالة إلى حالة من الفوضى العارمة بدأت معالمها بالظّهور تباعاً، من إنهيار سعر صرف الليرة اللبنانية، وارتفاع أسعار السّلع الأساسية  أضعافاً على نحو غير مسبوق، وبدء فقدان بعضها من الأسواق، وانهيار تدريجي لكلّ القطاعات الرئيسية، الطبّية والتربوية والسّياحية والصّناعية والزراعية، وصرف آلاف الموظفين والعمّال، الذين فاق عددهم 250 ألفاً في أقلّ من سنة ونصف، وارتفاع نسب البطالة والهجرة بشكل مخيف ومقلق.

هذا الإنهيار الواسع والشّامل، والذي يقف الجميع حياله متفرجين، جعل كلّ فريق يحصر جهده وعمله في تأمين إكتفاء وحماية ذاتيّة لمناطقه، من غير إعطاء أيّ أهمية لبقية المناطق، تحت شعار “اللهم نفسي”، علماً أنّ جميع الفرقاء يعرفون في قرارة نفسهم أنّ الإنهيار إذا حصل فإنّه سيصيب الجميع بلا استنثاء، وأن السّفينة إذا غرقت لن ينجو منها أحد.

غير أنّ الخوف الأكبر يبقى أن يؤدّي هذا الإنهيار، الذي يتوقع البعض بدء حصوله خلال شهري أيّار وحزيران المقبلين، إلى ما بات يطلق البعض عليه وصف “الإرتطام الكبير”، ليس من حرب أهلية بات أكثر من طرف يتحدث عنها، إنّما من خطر على الكيان بحد ذاته، ومصيره ومستقبله، مع تركه معلقاً في مهب الرّيح.


مواضيع ذات صلة:


Post Author: SafirAlChamal