ملف تأليف الحكومة مؤجّل حتى الخريف… عبد الكافي الصمد

لم يكن تداعي المبادرات المطروحة لمعالجة الأزمة اللبنانيّة مجرد تفصيل عابر في خضمّ الوضع السّياسي المعقد، لأنّ سقوط إحداها تلو الأخرى، من المبادرة الفرنسية التي أصبحت في حكم المنتهية، إلى المبادرتين المصريّة ومبادرة جامعة الدول العربية اللتين وئدتا في المهد، إلا دليلاً على أنّ موعد الحلّ في لبنان لم يأت بعد.

غداة تكليف الرئيس سعد الحريري تأليف الحكومة في 22 تشرين الأوّل من العام الماضي، أي منذ ستّة أشهر، ساد انطباع بأنّ تشكيل الحكومة لن يطول، وبأنّ تسهيلات ولادتها ستكون كثيرة، بهدف انصرافها لمعالجة الوضع الإقتصاديّ والمعيشي المتدهور الذي أنذر بأزمة بنيويّة، وصلت إلى حدود تحذير مسؤولين فرنسيين من احتمال زوال لبنان عن الخارطة إذا تأخّرت عملية الإنقاذ.

سرعان ما توالت الخيبات بعد ذلك، وتبيّن أنّ كلّ الآمال التي علقت على جدار المبادرة الفرنسية وسواها قد تلاشت سريعاً لسببين رئيسين: الأوّل عدم وجود توافق داخلي على تفاصيل المبادرة، وآلية تنفيذها، فضاعت المبادرة الفرنسية في الزواريب اللبنانية؛ أمّا السبب الثاني فيعود إلى أنّ المبادرة الفرنسية، كما المصرية والعربية، لم تكن تحظى بغطاء إقليمي ودولي للسير فيها، فلم يكتب لها أن تُعمّر طويلاً.

مع مرور الأيّام لمس الأطراف المحليون، ومعهم أكثر من طرف خارجي، أنّ ملف تأليف الحكومة معلّق حتى إشعار آخر، وهو ينتظر كلمة السرّ التي ما تزال إشارتها غائبة، وأنّ أكثر من استحقاق إقليمي يفرض التأجيل بمقاربة ملف الحكومة اللبنانية أشهراً عدّة، أقلّه حتى الخريف المقبل.

أبرز هذه الإستحقاقات الإقليمية المنتظرة ثلاثة؛ الأوّل إنتخابات الرئاسة السّورية في 26 أيّار المقبل؛ والثّاني إنتخابات الرئاسة في إيران المقرّرة في 18 حزيران المقبل، والثالث مرتبط بالمفاوضات الجارية حول الملف النوّوي الإيراني، بين إيران والغرب، الذي يرتقب أن تبدأ معالم التوافق حوله بالظّهور الصيف المقبل، على أن يبدأ بعدها، وفق المتوقع، النّظر في بقية الملفات العالقة في المنطقة، ومن بينها ملف لبنان.

خلال فترة الأشهر الستّة الماضية سعت أطراف سياسية عدّة إلى الضغط من أجل تأليف الحكومة في هذا الوقت الضّائع، لكنّها إصطدمت بأكثر من عقبة: أولاً أنّ أيّ حكومة ستؤلف بلا توافق داخلي حولها وضوء أخضر خارجي، وفي ظلّ الأوضاع الإقتصادية المحلية الصعبة، ستسقط في الشّارع سريعاً؛ وثانياً أنّ التوافق الخارجي لوضع الأزمة اللبنانيّة على سكّة الحلّ لم ينضج بعد، وأنّ الأطراف الخارجية المؤثّرة في الدّاخل اللبناني تتريّث في ذلك نظراً لحسابات ومصالح سياسية واستراتيجية دقيقة تعنيها؛ وثالثاً لأنّ تأليف حكومة في هذا التوقيت قبل رسم معالم الحلّ والنّفوذ والمصالح في المنطقة لن تسمح القوى الخارجية المتنافسة بإمراره إلّا وفق شروطها، فكان تأجيل البحث بالملف اللبناني هو نقطة التوافق الوحيدة بين هذه القوى.

لكن هل يتحمّل الوضع اللبناني المتآكل تأجيل ولادة الحكومة ومعالجة الأوضاع الإقتصادية والماليّة والمعيشية البالغة الصعوبة، والتي تنزلق بسرعة إلى قاع الهاوية، حتى ذلك الحين، وسط مؤشّرات مقلقة لا تعطي إنطباعاً مريحاً بأنّ قدرة البلاد على الصّمود في الفترة المقبلة، ومنع الإنهيار، تبدو ضعيفة جدّاً.    


مواضيع ذات صلة:


 

Post Author: SafirAlChamal