يقف اللبنانيون على حدود جهنم، بإنتظار من ينقذهم من السقوط المؤلم الى هذا الدرك الذي سينهار معه البلد وربما ينتهي أو يختفي عن الخارطة كما سبق وحذر وزير خارجية فرنسا جان إيف لودريان قبل نحو ستة أشهر إذا لم تسرع القيادات السياسية بتقديم المصلحة اللبنانية العليا على المصالح الخاصة بدءا بتشكيل حكومة مهمة، مرورا باستعادة ثقة المجتمع الدولي وصولا الى الانقاذ المنشود.
رغم كل هذه المخاطر، لا يبدو في الأفق حتى الآن أية بوادر حلحلة على الصعيد الحكومي، فيما جنون الدولار الأميركي يلامس العشرة آلاف ليرة، ليضاعف من غلاء السلع الغذائية والمواد الأساسية، والمحروقات مهددة بالانقطاع، والكهرباء تشهد زيادة غير مبررة في ساعات التقنين (6 ساعات في الـ24 في كثير من المناطق).
أما عدّاد كورونا فقد عاد ليشهد إرتفاعا في الاصابات والوفيات، بينما دخلت عملية التلقيح في بازار السياسية والمحسوبيات والأولويات، وتحولت الى مادة سجالية بين النواب الذين تلقوا اللقاح وبين المعارضين سواء في اللجنة الوطنية أو في البنك الدولي الذي بدا واضحا أنه وجه من خلال ممثلة رسالة سياسية تؤكد أن المجتمع الدولي قد ضاق ذرعا بالقيادات اللبنانية التي تشهد على إنهيار البلاد وجوع أهلها من دون أن تحرك ساكنا للانقاذ.
وفي ظل كل هذه الأزمات وغيرها ما ظهر منها وما بطن، عاد الهاجس الأمني ليتقدم، إنطلاقا من أمرين أساسيين، الأول حالة الغليان الشعبي التي قد تنفجر في أي لحظة في الشارع وإمكانية إستغلالها من قبل جهات محلية أو إقليمية لتنفيذ أجندات سياسية أو أمنية، والثاني إمكانية أن يستدعي إنسداد الأفق السياسي والحكومي في آن، حدثا أمنيا كبيرا يعيد خلط الأوراق من جديد.
في غضون ذلك، شكلت طروحات البطريرك الماروني بشارة الراعي حول المؤتمر الدولي لانقاذ لبنان، والتي أطلقها بعدما فقد الأمل من السلطة السياسية التي تجر البلاد الى الويلات وتهدد أمنه الاجتماعي، مناسبة لاصطفافات جديدة سارعت التيارات السياسية إليها، ما يشير الى حدة الانقسام وعدم إجتماع الأطراف المعنية على قواسم مشتركة.
لا يختلف إثنان على أن لبنان لم يخرج يوما من صيغة التدويل، وذلك باعتراف كل الأطراف، فحتى الأمس القريب، كانت قيادات كثيرة تجاهر بأن تشكيل الحكومة ينتظر إنتهاء عهد دونالد ترامب، ودخول الرئيس جو بايدن الى البيت الأبيض، كما تنتظر المفاوضات الأميركية ـ الايرانية، أو الضوء الأخضر السعودي، ما يعني أن التدخلات الدولية قائمة وهي تؤثر الى حد بعيد بكل الاستحقاقات اللبنانية من الانتخابات على أنواعها الى تشكيل الحكومات.
لكن المفارقة هي أن كل تيار سياسي يحاول إستغلال طرح البطريرك الراعي وفقا لمصالحه الخاصة، ويذهب في تفسيره وفقا لأجنداته الخاصة، من التدويل الفعلي وإستخدامه في إجراء إنتخابات نيابية مبكرة، الى إستعادة تجربة مؤتمر سان كلو، أو مؤتمر دوحة مصغر.
في حين كان لافتا قيام رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل بإرسال رسالة الى البابا فرنسيس عبر السفير البابوي في لبنان المونسنيور جوزيف سبيتاري حملها إليه النائب سيزار أبي خليل والوزير السابق منصور بطيش، وبالرغم من تكتم الوفد البرتقالي على مضمون الرسالة، إلا أن البعض رأى فيها تجاوزا واضحا لموقع بكركي ولطرح الراعي وإلتفافا على المواقف البطريركية الأخيرة.
تقول مصادر سياسية مواكبة: إن هذا الاصطفاف المستجد لا يبشر بالخير، خصوصا أنه سيؤدي الى تعميق الهوة بين الأطراف اللبنانية التي إنقسمت على بعضها البعض حول موقف بكركي وإجتهدت في تفسيره وفي كيفية تطبيقه، من دون الأخذ بعين الاعتبار مواقف الأطراف السياسية الأخرى وفي مقدمتها حزب الله الذي أكد أمينه العام السيد حسن نصرالله أن “أي طرح لتدويل الأزمة اللبنانية هو بمثابة إعلان حرب”!.
مواضيع ذات صلة: