لهذه الأسباب توحدت طرابلس ضد المحافظ رمزي نهرا!… غسان ريفي

يقول كثير من موظفي الفئة الأولى الذين خدموا في طرابلس ومنهم عدد كبير من المحافظين أنهم كانوا يأتون الى طرابلس وهم يبكون لأنهم لا يريدون الابتعاد عن مناطقهم، ويغادرونها عند إنتهاء مهامهم وهم يبكون أيضا حزنا على مفارقة أبناء المدينة الذين لطالما شكلوا محضنا دافئا لهم وإلتفوا حولهم وتعاونوا معهم وإستمر التواصل بينهم حتى بعد تقاعدهم.

ما تشهده طرابلس اليوم من إحتجاجات على وجود المحافظ رمزي نهرا هو إستثناء للقاعدة المتعارف عليها في المدينة، وهذا الأمر من المفترض أن يُسأل عنه نهرا الذي لم يعرف كيف يتعاطى مع الطرابلسيين الذين يريدون الدولة وسلطة القانون والانماء والتنمية والخدمات بقدر ما يريدون الحفاظ على كرامتهم، فطرابلس التي ثارت من أجل كل القضايا العربية وناضلت وقدمت للبنان شهداء للاستقلال، ربما تغض الطرف على ما أصابها وتصبر على فقر تمدد فيها نتيجة حرمان وإهمال الدولة، لكنها لا يمكن أن تسكت على من يحاول الاساءة إليها أو على من يتعاطى مع أهلها بفوقية.

لا يستطيع المحافظ نهرا أن ينكر أن قيادات طرابلس وفاعلياتها وأبنائها تعاونوا معه الى أقصى الحدود منذ أن وطأت قدماه سراي المدينة، لكن السلوك الاداري والسياسي الذي إعتمده وتعاطيه مع المواطنين باستنسابية بحسب الانتماء السياسي أو بحسب بعض المصالح أدى الى نفور طرابلسي منه، ورغم ذلك إستمر التواصل معه وكان الاعتراض على الآداء يجري همسا بين الحين والآخر.

لكن شيئا فشيئا وجد الطرابلسيون أن المحافظ لا يحافظ على مدينتهم، وبدأو يشعرون أن مكتبا حزبيا في سراي طرابلس يروّج لتيار سياسي معين ويقدم الخدمات ويغض النظر عن المخالفات ويهمل أبسط الواجبات بهدف الترويج للنائب جبران باسيل الذي لم يتوان نهرا عن إستفزاز أبناء المدينة بوقوفه طرفا الى جانبه، متناسيا أنه موظفا رسميا تجبره مهامه على أن يكون على مسافة واحدة من الجميع.

كبرت كرة الثلج الاعتراضية على المحافظ نهرا بفعل كثير من علامات الاستفهام رسمت حول سمسرات وفساد وإرتكابات من دون حسيب أو رقيب نتيجة الاستقواء بالعهد وبالتيار الوطني الحر الذي يتبع له، وإنفجرت هذه الكرة مع إنطلاق ثورة 17 تشرين الأول، التي حاول المحافظ بكل ما بوسعه مواجهتها وملاحقة ناشطيها لكنه لم يفلح، فآثر ترك المدينة التي عاشت فراغا إداريا واضحا، قبل أن تشهد فراغا بلديا من بلدية الميناء التي وضع يده عليها الى بلدية القلمون وصولا الى بلدية طرابلس التي سعى الى تدجينها وتعطيل أعمال مجلسها البلدي والاساءة الى رأس الهرم فيها من أحمد قمر الدين الى رياض يمق.

من حق المحافظ نهرا أن يدافع عن نفسه، لكن من حق طرابلس أيضا أن تسأل عن الفلتان التي تشهده بفعل غيابه عن القيام بمهامه، وعن دوره الاداري والأمني كونه المسؤول الأول عن الأجهزة الأمنية على إختلافها، وعن غيابه عن جعل إجتماعات مجلس الأمن الفرعي مفتوحة لمواجهة الاحتجاجات الشعبية على الأوضاع الاقتصادية والتي إستغلها مندسون في غفلة منه ونتيجة إنقطاعه عن المدينة وحاولوا إحراق السراي قبل أن يصلوا الى إحراق المحكمة الشرعية وبلدية طرابلس التي من المفترض أن تتم مساءلته عنها تماما كما مساءلة رئيس البلدية.

لم يكن وزير الداخلية العميد محمد فهمي موفقا في قرار وضع ملف إحراق البلدية في عهدة المحافظ نهرا، لكنه حتما إنطلق من حسن نية ظنا منه أن المحافظ سيقوم بما يمليه عليه واجبه الوظيفي بشفافية، قبل أن يفاجأ الجميع بأن نهرا حاول تصفية حسابات شخصية وسياسية مع الدكتور رياض يمق الذي تعرض لحجز حرية وتهديد وإساءات لا تليق بموقع رئيس بلدية طرابلس المنتخب من الشعب، الأمر الذي تنبه له فهمي بعد إتصال شجب وإستنكار ورده من الرئيس نجيب ميقاتي وتجاوب فورا في سحب الملف وإعادته الى وزارة الداخلية.

كل ذلك، جعل طرابلس تتوحد قيادات سياسية وفاعليات وثورة وشعبا على مطلب واحد هو كف يد المحافظ نهرا عن إدارة المحافظة، وقد كان واضحا بيان نواب طرابلس الذي طالب باحالة نهرا الى التفتيش المركزي وبإيجاد الحلول المناسبة لهذه الأزمة قبل إستفحالها حرصا على كرامة اهل المدينة وهيبة الدولة، كما لاقى النائب فيصل كرامي زملاءه فطالب بكف يد المحافظ الذي إعتبره أيضا المناضل توفيق سلطان قنبلة موقوته.

كل ذلك لا يلغي جملة من الثوابت وهي تأكيد كل أبناء طرابلس على ضرورة الاستمرار في التحقيقات لتحديد المسؤوليات في إحراق البلدية، إضافة الى أن الموقف من المحافظ لا يمت الى الطائفية بصلة حيث أكد شيخ قراء المدينة بلال بارودي في خطبة الجمعة أنه لو كان نهرا مسلما ورئيس البلدية مسيحيا ووجه إليه هذه الاساءات لوقفت طرابلس ضد المحافظ المسلم ونصرت رئيس البلدية المسيحي.

وضمن هذا الاطار لا يمكن لأي كان أن يتهم طرابلس بالطائفية، كون المدينة أثبتت أكثر من مرة أنها بعيدة عن هذا “الوباء”، وهي التي قدمت نموذجا تعايشيا ووطنيا مشهودا قبل أشهر عندما إستقبلت البطريرك بشارة الراعي وقامت بتسمية أربعة شوارع رئيسية فيها بأسماء مطارنة موارنة خدموا فيها وتركوا أثرا طيبا لدى أهلها.


مواضيع ذات صلة:


 

Post Author: SafirAlChamal