إعملوا بـ″وصايا″ جان عبيد.. لكي تبنوا دولة ووطنا!… غسان ريفي

رحل جان عبيد بهدوء وسكينة، لكن ما زرعه على مدار نصف قرن من حوار وتلاق وإنفتاح ووطنية وعيش واحد ينفع ليكون خارطة طريق لبناء لبنان الذي أحب، ولبنان الرسالة الذي تحدث عنه البابا الراحل يوحنا بولس الثاني.

في سنواته الأخيرة إبتعد جان عبيد عن المقابلات الصحافية، وكان عند إلحاح الصحافيين عليه يسارع الى التودد إليهم ويعتذر بالقول: “اليوم ليس أوان الكلام”.

حتى خلال حملته الانتخابية ضمن لائحة العزم في العام 2018، كان يكتفي جان عبيد بأن يوصي بطرابلس وأهلها، وهو نجح في ذاك الاستحقاق في إستعادة مقعدها الماروني من غربته بعد 13 عاما ومن تحويله الى جائزة ترضية، هو أمر على الطرابلسيين التمسك به لابقاء هذا المقعد ضمن أهله.

كما أطلق في حينها أكثر من صرخة مدوية كانت عبارة عن وصية تقول بأن “أخرجوا طرابلس من الاستخدام السياسي، فالمدينة تحتاج إلى تضامن واحتضان ورعاية، وأبناؤها ليسوا ذخائر في أسلحة ذئاب السياسة ولا لقمة سائغة على موائد اللئام، وأن هذه المدينة الصابرة الصامدة لم تعرف الا التضحية والوفاء، لكن الظلم بات فاجراً والقهر أصبح موجعاً، والصرخة صارت مدوية وآن الأوان لانصافها وإنتزاع حقوقها”.

لطالما أوصى جان عبيد بالحفاظ على أمن وإستقرار لبنان بالعمل على إبعاده عن سياسة المحاور، خصوصا أن بلدا يتشكل من 18 طائفة ومن تيارات سياسية وحزبية ذات أبعاد وإرتباطات إقليمية ودولية يشكل له “الحياد” صمام أمان تجاه ما تشهده المنطقة من توترات وثورات ودمار ودماء.

بهذه الصيغة قدم جان عبيد رؤيته لـ”الحياد” الى البطريرك الماروني بشارة الراعي، وحياد نائب طرابلس لا يعني الوقوف على خط الوسط بين الخير والشر أو بين الخصم والحليف بل هو مفهوم سياسي متقدم يؤمن إستقرار لبنان من دون التفريط بالثوابت والمسلمات الوطنية والعروبية، وهو تغليب “قوة الحق” وليس “حق القوة” قوة حق الفلسطينيين في أرضهم وفي حقوقهم وفي عودتهم، وليس حق قوة الكيان الغاصب في تهويد القدس وتوسيع رقعة الاستيطان والاعتداءات المتكررة.

كان جان عبيد يشعر بخطورة الوضع في لبنان وبالأزمات التي تتوالد وترخي بظلالها القاتمة على اللبنانيين، لذلك لم يتوان كعادته عن تقديم النصح من رئيس الجمهورية الذي كان يلتقيه دوريا سرا وعلانية ليتحدث معه بلغة واحدة بأن “يكون الحكم بين اللبنانيين وأن يحافظ على الدستور وعلى إتفاق الطائف، وأن لا يكون رئيسا فئويا يساهم في إنقسام اللبنانيين، وبأن يضع في سلم أولوياته هموم شعبه وليس أية مصالح أو طموحات أخرى” والكلام نفسه كان يسوقه الى سائر المسؤولين الذين كانوا يعرفون مدى غيرته الوطنية وتطلعاته الى وطن يشع نورا على المنطقة بكاملها.

لم يكن لأي كان أن ينافس جان عبيد في وطنيته ولا في عروبته ولا في قوميته، ولا في إلتزامه بقضية فلسطين، كما لم يكن لأحد أن ينافسه في الوعي والحكمة والأفق الواسع والنظرة الشاملة والثاقبة التي كانت تحوّل لقاءاته مع كل القيادات السياسية الى ما يشبه محاضرة يستشرف من خلالها ملامح المرحلة المقبلة ويرسم الطريق التي توصل الجميع الى بر الأمان.

في لقاءاته أو في إتصالاته الأخيرة كان جان عبيد يتحدث بمنطق الوصية، بأن حافظوا على لبنان، وإعتمدوا الحوار سبيلا لحل الخلافات، وشكلوا حكومة إنقاذ، وسارعوا الى تعزيز الجيش ليكون صمام أمان الوطن، والى تحصين إستقلالية القضاء لكي يعلو الحق ولا يعلو عليه، والى حماية مؤسسات الدولة ومكافحة الفساد، والابتعاد عن التطرف أي كان نوعه والى أي دين إنتمى، فلبنان لأهله بكل مدنه ومناطقه وقراه.

على هذه الوصايا أغمض جان عبيد عينيه وأسلم الروح، وعلى من يحمل المسؤولية أو من يتنطح إليها أن يعملوا بها لكي يبنوا دولة ووطنا!..


مواضيع ذات صلة:


 

Post Author: SafirAlChamal