قراءة في المشهد السياسي.. الفتنة تلعب في الوقت الضائع!… غسان ريفي

بإنتظار تشكيل الحكومة، تلعب الفتنة في الوقت الضائع، مستفيدة من تخلي أركان السلطة عن مسؤوليتهم الوطنية وما ينتجونه من إنقسام سياسي عامودي يساعد على النفخ فيها وتمددها من طرابلس الجريحة الى عائلة لقمان سليم المفجوعة والتي إستفاقت أمس على عملية إغتيال من شأنها أن تعيد خلط الأوراق وتربك الساحة اللبنانية مجددا بالاغتيالات والتصفيات التي تطال السياسيين وأصحاب الرأي والفكر.  

مع العثور على جثة لقمان سليم في سيارته على طريق النبطية، إنعكس المشهد المؤلم بشكل فوري على الصراع السياسي القائم، وقبل أن تصل الأدلة الجنائية الى مكان الجريمة وترفع البصمات وتنقل الجثة الى المستشفى، كانت الاتهامات تنهال من كل حدب وصوب، وتساهم في توتير وتسميم الأجواء، وبدأ البعض الاستثمار بالدم لتحقيق مكاسب أو لمحاولة الضغط على هذا الفريق أو ذاك، ما يتطلب من القضاء المختص الذي وضع يده على ملف هذه القضية الاسراع في كشف الملابسات وتحديد المسؤوليات لوضع حد لكل الاتهامات والتأويلات والتكهنات ولقطع دابر الفتنة، وذلك بالتزامن مع كشف الجهات التي حاولت الاستثمار بلقمة عيش فقراء طرابلس وهيأت الأجواء لاحراق وتخريب مؤسساتها من بلدية ومحكمة شرعية إضافة الى جامعة العزم. 

لم يعد من الممكن في ظل الظروف الضاغطة التي ترخي بثقلها على البلاد تجهيل الفاعل في أي جريمة ترتكب ومهما كان نوعها، خصوصا أن طرابلس التي تحركت للتعبير عن وجعها، وعن رفض غياب الدولة وقراراتها الارتجالية بإلزام المواطنين بالتعبئة العامة والاقفال من دون تقديم مساعدات مالية أو عينيه لهم، كانت ضحية أجندات مشبوهة أرادت زرع الفوضى في ربوعها، لتشويه صورتها والاساءة الى سمعة أهلها وضرب ثورتها.

لا يختلف إثنان على أن الفوضى هي عدو الثورة والمطالب المحقة، وهي بالتالي عدو لطرابلس التي أراد البعض الاستمرار بظلمها من خلال إفساد تحركاتها وأخذها نحو العنف، وإظهار المدينة أنها خارجة عن الانتظام العام، في حين أن طرابلس هي من أكثر المدن اللبنانية إلتزاما بالدولة وبسلطتها لكن المطلوب من هذه الدولة أن تتواجد في طرابلس ليس بالأمن فقط، بل بالانماء والاقتصاد والاجتماع والثقافة والفكر والمشاريع الاستثمارية الموجودة فيها من خلال مرافقها التي تحتاج فقط الى قرار بتفعيلها.

بالرغم من الخط الساخن الممتد من طرابلس الى النبطية، فإن الصراع على الحصص والحقائب الوزارية، ما يزال يعطل تأليف الحكومة التي يدفع لبنان عن كل يوم تأخير في تشكيلها مزيدا من الأثمان الباهظة من إستقراره الأمني والاجتماعي.

حتى الأمس القريب، كانت عملية التأليف ترقد في موت سريري، الى أن جاءت أحداث طرابلس التي فتحت ثغرة في جدار الأزمة، وما تلاها من إتصال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون برئيس الجمهورية ميشال عون، ومن ثم مجموعة المبادرات سواء التي قادها الرئيس نبيه بري علنا، أو تلك التي أطلقها حزب الله بعيدا عن الاعلام، فضلا عن حراك الحريري باتجاه مصر، كل ذلك أدى الى بث الروح من جديد في عملية التأليف التي بدأت تنذر بانفراجات في وقت قريب، خصوصا أن كل شيء في لبنان بات ضاغطا جدا، وقد جاءت أحداث طرابلس قبل أيام وأمس إغتيال لقمان سليم لتقرع كل نواقيس الخطر بأن البلد يكاد يلفظ أنفاسه الأخيرة.

في غضون ذلك، ترفض مصادر سياسية الافراط في التفاؤل، وهي تعتبر أن كل ما يحصل لم يرتق الى الجدية المطلوبة لتشكيل الحكومة، لافتة الانتباه الى أن ثلاثة شروط يطالب بها الرئيس عون مع النائب جبران باسيل لكي يبادر الى تسهيل ولادة الحكومة هي:

أولا: أن تكون الحكومة من 20 وزيرا وليس 18، بإضافة وزير كاثوليكي وآخر درزي محسوب على النائب طلال أرسلان.

ثانيا: إصرار عون على تسمية 6 وزراء مسيحيين من الحكومة العشرينية، سيضاف إليهم الوزير الدرزي المحسوب على أرسلان، ما يمنح عون وفريقه الثلث المعطل بشكل تلقائي.

ثالثا: رفض عون حصول الحريري على وزارة العدل القادرة على عرقلة أو تعطيل التدقيق الجنائي، وبالتالي هو يريدها لفريقه لكي يكون هذا التدقيق في عهدته بما يمكنه من التحكم بكل تفاصيله.

فهل يرضخ الحريري لهذه الشروط؟، أم يتراجع عون عنها بضغط من الحلفاء؟، أم يصار الى تدوير الزوايا والوصول الى قواسم مشتركة؟، أم أن المراوحة المستمرة ستقتل آخر أمل في بقاء لبنان على الخارطة؟.


مواضيع ذات صلة:


 

Post Author: SafirAlChamal