عون ـ الحريري.. التعايش بات مستحيلاً… عبد الكافي الصمد

لا يبدو مصير ″التسوية المكرهة″ التي جاءت بالحريري رئيساً مكلّفاً لتأليف الحكومة في 22 تشرين الثاني الماضي، بعد استشارات تكليف ملزمة، سيكون أفضل من مصير التسوية الرئاسية ″المحكومة بالظروف″، والتي جاءت قبل أكثر من 4 سنوات بالعماد ميشال عون رئيساً للجمهورية في 31 تشرين الثاني 2016.

كانت تلك السنوات الأربع ونيّف كافية لتكشف أنّ الكيمياء لم تركب بين الحريري وعون، وأنّ التلاقي بينهما خلال الفترة السابقة لم يكن سوى ظرفياً وآنياً، وأنّ الفراغ الرئاسي الذي امتد طويلاً، بعد نهاية ولاية الرئيس السابق للجمهورية ميشال سليمان، في 24 أيّار 2014، فرضت إنتخاب عون، دون سواه، رئيساً بعد الدعم الكبير الذي تلقاه من حزب الله وحلفائه.

هذه التسوية التي أفضت إلى عودة الحريري مرّة جديدة إلى السرايا الحكومي الكبير، سرعان ما بدأت تترنح، قبل أن تسقط بعد ثلاث سنوات عندما استقال الحريري في 29 تشرين الثاني 2019 تحت ضغط الحراك الشّعبي، الذي كانت شرارته قد انطلقت قبل ذلك الموعد بـ12 يوماً.

تجربة تعايش الرجلين، عون والحريري، كشفت تجارب السنوات الثلاث صعوبتها البالغة؛ فالأوّل وصل إلى كرسي الرئاسة الأولى بعد رحلة مضنية وطويلة بدأت منذ عام 1988، وهو حاول التأكيد قولاً وممارسة أنّه جاء ليحكم لا ليكون رئيساً شكلياً، أو رئيساً بلا صلاحيات، متسلحاً بكونه الزعيم المسيحي الأقوى والأوّل، ويرأس أكبر كتلة نيابية مكّنته من امتلاك كتلة وزارية هامّة في جميع الحكومات التي شكّلت في عهده، وهو ما لم يتوافر لأي رئيس جمهورية منذ اتفاق الطائف، الذي لم يكنّ الجنرال الودّ له يوماً.

أمّا الثاني، أيّ الحريري، فسرعان ما اكتشف صعوبة التأقلم مع رئيس جمهورية لا يشبه ممّن سبقوه وشاركهم الحريري السلطة، ذلك أنّ عون لم يأت ليحكم ويستعيد ما استطاع ما اعتبره “صلاحيات” رئاسية سلبها إتفاق الطائف من رئيس الجمهورية، إنّما يسعى أيضاً لتوريث صهره الوزير جبران باسيل الرئاسة الأولى بعد انتهاء ولايته في عام 2022، ما جعل الحريري يصطدم، بعد تكرار الكثير من ممارساته الخاطئة في السلطة، بطموحين جعلته يلمس بأنّ استمرار التعايش مع عون وصهره بات صعباً ومكلفاً للغاية.

في 29 تشرين الثاني 2019 خرج الحريري من السلطة على وقع حراك شعبي واسع، واعتراض على تدهور الأوضاع الإقتصادية، التي تدهورت أكثر بعد ذلك وما تزال، وأوصلت البلاد إلى القعر والإهتراء، فكان مجيء حسّان دياب رئيساً للحكومة في 19 كانون الأول عام 2019 إيذاناً بانتهاء التسوية الرئاسية فعلياً، وبدء مرحلة جديدة من “الخصومة” السياسية بين عون والحريري كانت الطابع العام لعلاقتهما.

كان ضغط الشارع والأزمة الإقتصادية أكبر من قدرة حكومة دياب على التحمّل، فقدّم إستقالة حكومته في 10 آب الماضي، بعد ستة أيّام من إنفجار مرفأ بيروت الكارثي، ما مهّد الطريق أمام عودة الحريري للسلطة رئيساً مكلفاً في 22 تشرين الأول الماضي، متسلحاً بمبادرة فرنسية للإنقاذ الإقتصادي سرعان ما أجهضت في مهدها.

قرابة ثلاثة أشهر مضت على تكليف الحريري تأليف الحكومة، والمشاورات ما تزال تدور في حلقة مفرغة، برغم المخاطر الهائلة التي تهدد البلاد، إلى أن جاء التراشق الإعلامي الأخير بين عون وباسيل من جهة، والحريري من جهة أخرى، وبشكل غير مسبوق في أدبيات التعاطي السّياسي بين المرجعيات السياسية، ليكشف أنّ أيّ تعايش جديد بين الرجلين في الثلث الأخير من العهد لن يكون ممكناً، وأنّ البلاد تدفع مع العباد باللحم والدم أثمان الخلافات على المصالح والأهواء والطموحات والتقلبات وسنوات الفشل الطويلة في إدارة أزمات الوطن.


مواضيع ذات صلة:


 

Post Author: SafirAlChamal