هل تملك المقاومة القدرة على حماية لبنان؟.. وسام مصطفى

قدّم أحد الظرفاء، ممن دعكتهم التجارب العسكرية والأمنية في صفوف المقاومة منذ ثمانينيات القرن الماضي، تحليله لمجريات المواجهة الحالية في سياق “طوفان الأقصى” وقال إنها المرّة الأولى التي تجد فيها “إسرائيل” نفسها في مأزق وجودي حقيقي، ما يكسب الحرب الراهنة ميزتها المصيرية، ليس فقط على المشروع الصهيوني بل أيضاً على مجمل المشروع الغربي في المنطقة، مستعيداً المحطات الرئيسية التي كانت محط نزاع محموم بين المعسكرين السوفييتي والأمريكي خصوصاً بعد الحرب العالمية الثانية، وتحوّل هذا النزاع اليوم إلى صراع أقطاب تخوضها قوى الشرق الكبرى (روسيا والصين وكوريا الشمالية..) في قبالة الولايات المتحدة الأمريكية وهياكل الأنظمة الأوروبية المحتضرة بحسب تعبيره.

لا يفصل هذا الظريف الحرب الدائرة على جبهتي فلسطين ولبنان بين قوى المحور وقوى الحلف الأمريكي – الإسرائيلي عن دائرة الصراع الكبرى، ويتندّر في وصف إرهاصات نتائجها بعبارة مختصرة وعميقة فيقول: “فرضت إسرائيل بعد اجتياح العام 1982 حزاماً أمنياً داخل الأراضي اللبنانية، أما اليوم فقد فرضت المقاومة حزاماً نارياً غير قابل للحياة داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة”، ويعلّق ضاحكاً: “لا نعلم.. قد يأتي يوم قريب تفرض فيه المقاومة إجراءات عبور للمستوطنين كما كان العدو يفرضها علينا أيام الاحتلال!!”، ولكن إمكان هذا الأمر يفرض في المقابل تواجد ميداني على الأرض، سأل أحد الحاضرين، فقال: “عندما حرّرت المقاومة الجنوب عام 2000 كان الاحتلال وعملاؤه يسيطرون على الأرض وأهلنا موجودون في القرى، ولكن مستوطنات الشمال الآن عبارة عن قرى أشباح ليس فيها سوى وجود عسكري.. هذه هي الفرصة، بانتظار القرار”.

هكذا بدا محدّثنا، مطمئناً بأن المقاومة قادرة على تحرير شمال فلسطين، فيما تتولّى المقاومة الفلسطينية استكمال الدور في الداخل، وكأنّه يستشرف مرحلة حاسمة تتجاوز الحديث عن القضية اللبنانية والجدال الدائر فيها حول قرار الحرب والسلم، ونقاشات القوة والضعف واحتساب أرقام الربح والخسارة.. تفيد التجربة أن أي حرب مهما كان حجمها واتّساع دائرتها لا بد وأن يصحبها ويليها تضحيات بشرية ومادية، ولكن العبرة في النتيجة التي ستنتهي إليها هذه الحرب، وقد عوّدتنا المقاومة منذ العام 1982 حتى اليوم أنها حققت الانتصار في كل مواجهة خاضتها ضد إسرائيل ولا سيّما في محطتي التحرير وتموز العام 2006.

استطاعت المقاومة بفعل تراكم إنجازاتها العسكرية والأمنية أن ترسي حالة حقيقية من الاستقرار على مدى 17 عاماً، وثبّتت معادلة الردع المتوازي على قاعدة “أي اعتداء على لبنان لن يبقى دون ردّ”، فكبّلت يد الإسرائيلي وأبقت مستوطنيه في شمال فلسطين في حالة دائمة من القلق المرعب، وحصّنت القرار اللبناني الرسمي ليمنع أي تجاوز حتى لو كان بمقدار شبر من الأرض على الحدود، وانتزعت الحق للبنان في استثمار ثرواته النفطية والمائية في البحر والبر، وحينما استدعت الضرورة اتجّهت شرقاً وشمالاً وإلى الداخل السوري لتمنع التكفيريين من استباحة القرى اللبنانية وإقامة إمارات النخاسة، وبذلت في سبيل ذلك مئات الشهداء وآلاف الجرحى، وجرى كل ذلك بتنسيق وتعاون كامل مع الأجهزة السياسية والعسكرية والأمنية الرسمية وفي مقدّمتهم الجيش اللبناني.

أما اليوم، فيما المقاومة تواصل تضحياتها على جبهة إسناد المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، فإن المعادلة لم تختلف عن سابقاتها على مستوى الأسس التي تنطلق منها لحماية لبنان، فالتجربة تقول أيضاً إن العدو الإسرائيلي لم يكفّ لحظة عن مساعيه في تنفيذ مطامعه في بلدنا، وهي مطامع تاريخية أعلنها الصهاينة وقادتهم منذ ما قبل العام 1948، وسوّقوا بموازاتها مقولات دينية – تلمودية لتسويغ إجرامهم وإرهابهم بحق فلسطين ولبنان وشعبيهما.

ولعلّ قائل – في الداخل أو الخارج – إن الحرب الحالية في قطاع غزة لم يبدأها الإسرائيلي، بل إن حركة حماس هي من بادرت بالطوفان فاندلعت الحرب، والجواب بسيط يطرحه واقع الميدان الذي سجّل قيام العدو بشن سبع حروب على قطاع غزة لم يستطع فيها ليّ ذراع المقاومة الفلسطينية، ولولا أن استبقت حماس طوفانها في 7 اكتوبر بمباغتة العدو وخلط أوراقه الأمنية والعسكرية، فإن ما كان يحاك للقطاع وبعده لبنان في ظل تسارع قطار التطبيع والتسوية الشاملة، ينذر بمرحلة عصيبة جداً تفوق بنتائجها التدميرية وجرائمها الوحشية ما نشهده اليوم، وهذا هو عنصر الإنجاز الذي انتزع من العدو زمام المبادرة وجعله في موقع المتلقّي وردّ الفعل.

السؤال المقابل الذي يُطرح ردّاً على منتقدي جبهة الإسناد: لقد سجّلت المقاومة في لبنان على إسرائيل ومن وراءها كثيراً من النقاط في حلبة الميدان وأذلّتها وأسقطت أسطورتها، وأثبتت أنها كيان قابل للهزيمة والانكسار، وبالتالي فإن إسرائيل تنتهز أي فرصة لاستعادة كرامتها المهدورة عند أقدام المقاومين، فلو افترضنا أن العدو حقق أهدافه في ضرب المقاومة في قطاع غزة، فما الذي يضمن أن يتحوّل إلى لبنان لضرب المقاومة مستفيداً من فائض القوة المعنوية والدعم العالمي؟! استناداً إلى ذلك فإن التحدّي الراهن والقادم يكتسب مستوى عالياً جداً من الأهمية بما يعطي لجبهة الإسناد التي تخوضها المقاومة أحقّيتها في الفعل، وتفرض على اللبنانيين بجميع انتماءاتهم الطائفية وميولهم السياسية الترفّع عن الخلافات الداخلية والارتقاء إلى مستوى المسؤولية الوطنية الجامعة والاصطفاف إلى جانب المقاومة في الدفاع عن لبنان وحمايته وضمان استقلاله واستقراره.


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal