لا يختلف إثنان على أن جرح طرابلس عميق وخطير جدا..
عميق بفعل هول وقساوة الفاجعة التي أرخت بثقلها على مدينة تتراكم فيها المآسي، وحجم الخسائر البشرية التي لحقت بعائلاتها التي دُفن رجالها ونسائها وأولادها وبناتها في مركب غرق على عمق 300 مترا فلا هي قادرة على إنتشالهم ولا هي قادرة على إعلان وفاتهم كونهم إتخذوا صفة المفقودين، ما يضاعف من حجم الحزن الذي يتمدد أفقيا في الفيحاء التي تُنكس أعلامها اليوم وترفع راياتها السوداء.
وخطير جدا جرح طرابلس لأن شارع المدينة يغلي غضبا على حرمان وإهمال مزمنين أمعنا في محاصرة أبنائها الذين وجدوا الفقر والجوع من أمامهم والبحر من ورائهم، فآثروا الاستدارة علهم يجدون في الأفق البعيد أملا في عيش كريم لهم، ومستقبل آمن لأولادهم، بعيدا عن بلد يفتقد الى أبسط مقومات الحياة، بفعل طبقة سياسية لم تكتف على مدار السنوات الماضية بقيادة البلد الى جهنم، بل تسعى اليوم الى تعطيل كل المحاولات الحكومية للانقاذ، مستخدمة شعبوية إنتخابية ممجوجة تهدف الى تحسين واقع شعبي والى إلتقاط بعض الأصوات من هنا وهناك، ضاربة بعرض الحائط مصلحة لبنان واللبنانيين.
وخطير أيضا، لأن الفاجعة تجاوزت حادث القضاء والقدر، الى منحى مغاير، خصوصا بعدما أشار كثير من الناجين الى أن الغرق حصل بعد قيام دورية من القوات البحرية بصدم المركب الذي كانوا على متنه مرتين ما أدى الى تحطمه وغرقه، في حين نفت القوات البحرية ذلك، حيث أشار قائدها العقيد هيثم ضناوي أن قائد المركب حاول القيام بمناورة للهرب من دورية الجيش، فصدم الزورق العسكري من الوسط ومن الخلف، وبسبب الحمولة الزائدة وقِدَم صنعه حصل تفكك في هيكل المركب أدى الى تدفق المياه بغزارة إليه فغرق في غضون خمس ثوان.
لا شك في أن طرابلس لا تحتمل اليوم أي خضة أمنية، خصوصا أن الخضات الاجتماعية والمعيشية اليومية تضغط على كل أبنائها، كما أن الجيش لا يحتمل إتهاما من هذا النوع، كونه يحمي طرابلس وينتشر في كل أحيائها ومناطقها منذ أكثر من عقد من الزمن، وقد نسج علاقات ممتازة مع أهلها الذين يثمنون للجيش دوره في فرض الأمن والاستقرار وتحديدا منذ الخطة الأمنية التي إنطلقت في طرابلس في الأول من نيسان 2014..
لذلك، فإن التحقيق الشفاف والكامل، والاسراع في إعلان نتائجه وإتخاذ القرارات بناء عليها، من شأنه أن يمنع عودة عقارب الساعة الى الوراء، خصوصا أن هناك من يتربص شرا بالجيش كونه المؤسسة الوحيدة التي ما تزال صامدة وتشكل صمام أمان اللبنانيين والبلد بشكل عام رغم الصعوبات التي يواجهها ضباطها وعناصرها الذين لا تختلف معاناتهم عمن كانوا على متن مركب الموت، وبالتالي فإنه من غير المستبعد أن يدخل طابور خامس على خط هذه القضية لتفجير الوضع في طرابلس بهدف ضرب عصفورين بحجر واحد..
أولا، وضع الجيش في مواجهة أهله بفتنة ليست من مصلحة أحد، وثانياـ لتعطيل إستحقاق الانتخابات النيابية التي يبدو أن ثمة تيارات سياسية لا تريدها خشية الخسائر التي قد تلحق بها، وهكذا تصبح البلاد أمام فوضى شاملة قد تؤدي الى ما لا يحمد عقباه في ظل أزمات معيشية وإجتماعية خانقة، وغلاء وفقر وجوع، وإنعدام التغذية الكهربائية، وإضعاف دور الجيش وإشغاله في مواجهات جانبية، وتطيير الانتخابات النيابية، الأمر الذي قد يدفع اللبنانيين الى الذهاب فرادى وجماعات الى مراكب الموت التي قد تصبح خيارا وحيدا أمامهم.. فهل من يسارع الى إحتواء ما يحصل قبل فوات الأوان؟..
Related Posts