يبدو من خلال سير الحملات الانتخابية في كثير من الدوائر، أن هناك ثأرا قديما للناخبين مع المرشحين آن أوان أخذه، وحسابات كثيرة آن أوان تصفيتها.
في هذه الانتخابات، لم تعد البرامج السياسية، ولا الوعود الانمائية، ولا الشعارات الشعبوية، ولا حملات التحريض السياسي والطائفي والمذهبي تُجدي نفعا، فقد إعتاد الناخبون على سماع كل ذلك في إستحقاقات سابقة حتى ملّوها كونهم كانوا يصدقونها ومن ثم يصابون في كل مرة بخيبات أمل، واليوم أمام سلسلة الأزمات الاجتماعية والمعيشية، ثمة لغة واحدة يمكن التحدث بها في الشارع الانتخابي هي المال، و”من لا يملك المال لا يلزمنا”..
هي علاقة جدلية بين الناخبين وبين المرشحين سواء كانوا سياسيين أو رجال أعمال، فالاعتقاد السائد اليوم لا سيما بعد ثورة 17 تشرين الأول 2019، هو أن المرشحين السياسيين قد أمعنوا في مصّ دماء اللبنانيين وفي سرقة أموالهم على مدار سنوات، وقد جاء وقت إسترداد النذر اليسير منها عبر الانتخابات، أما المجموعات الثورية التي سارت على خطى السياسيين في الانقسامات وتبادل الاتهامات فهي أيضا لديها تمويل من سفارات أو من جهات دولية مختلفة، وبالتالي فإن الثورة التي أفشلوها بأناياتهم وتسابقهم الى الترشح لم تعد تشفع لهم والصوت الذي سيعطى لهم سيخضع لتسعيرة السوق الانتخابي.
وكذلك بالنسبة الى رجال الأعمال والمتمولين، فإنهم لم يترشحوا إنطلاقا من عقيدة أو إيديولوجيا، ولا أحد منهم يمتلك تاريخا نضاليا أو نظرة سياسية، وبالتالي فإن هؤلاء هم فقط بالنسبة للناخبين “مهزة مصاري” عليهم أن يدفعوا ثمن الصوت الذي سيحصلون عليه بالدولار “الفريش”.
أما المرشحون، فقد باتوا على قناعة بأن عليهم أن يدفعوا ثمن وصولهم الى مجلس النواب أموالا طائلة، وبالتالي فإن نجاحهم في الانتخابات لن يكون بثقة الناخبين، وإنما بأموالهم التي إشتروا فيها أصواتهم، ما يعني أنه بعد الانتخابات لن يكون لدى الناخبين أي حق عند النواب الجدد أو العائدين طالما أن العملية الانتخابية كانت عبارة عن حفلة “هبش” مال من جهة الناخبين وأصوات من جانب المرشحين، وهكذا يكون الفريقين صلح، لكن ذلك لا يمكن أن يصلح حال البلاد أو أن يؤدي الى الاصلاح، أو مكافحة الفساد، طالما أن الفساد يبدأ من العملية الديمقراطية الأساسية التي تعيد تكوين السلطة السياسية كل أربع سنوات.
لذلك، لا مكان في هذه الانتخابات لمن لا يمتلك المال أو التمويل، باستثناء بعض مرشحي الأحزاب والتيارات العقائدية والذين قد يصلون بأصوات ناخبين ملتزمين بهم وأو بما تقرره قياداتهم.
يمكن القول، إن ما تشهده الساحة الانتخابية لا يمكن أن يؤسس لمجلس نواب على قدر تطلعات اللبنانيين، أو قادر على التشريع باستثناء بعض المخضرمين الذين قد يعودون إليه، خصوصا أن المال بات هو معيار الترشح، من دون السؤال عن ثقافة سياسية أو خبرة تشريعية أو حتى أفكار ومبادئ وثوابت، ومن دون السؤال عن أخلاق ومنطق وتاريخ، ومصادر الأموال التي تدفع.
ليس جديدا أن يُصرف المال على الحملات الانتخابية، لكن ما يحصل اليوم هو “أوفر” حيث توزع الأموال بشكل هستيري للمفاتيح وللناخبين الذين يعتبرون أنهم في موسم حصاد لا يأتي سوى كل أربع سنوات، وذلك على “عينك يا تاجر” ومن دون أن تحرك هيئة الاشراف على الانتخابات ساكنا، حيث تكتفي بالتحذيرات وإصدار البيانات بينما شراء الأصوات والذمم بات بشكل علني.
يقول أحد الخبراء أن الناخبين يضحكون اليوم على المرشحين، خصوصا أن الاقتراع سيكون على قاعدة الصوت التفضيلي، في حين أن أي عملية جراحية بكلفة ألف دولار يجول صاحبها على أربعة أو خمسة مرشحين لجمع المبلغ، فلأي منهم سيكون صوته التفضيلي؟.
ويضيف: أصبحنا اليوم أمام عملية تجارية بحتة، خصوصا أن بعض الماكينات الانتخابية بدأت تضع موازنات مالية لنيل الحواصل، وقد بات لكل حاصل تسعيرة بحسب الدائرة، أما الديمقراطية والانتخاب على الكفاءة والفكر السياسي والتشريعي فبات من الماضي، فهل تتحرك هيئة الاشراف؟، أم أن البازار المالي سيشهد مزيدا من النشاط بعد عيد الفطر السعيد؟.
Related Posts