شكلت الزيارة التي قام بها رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي الى جمهورية مصر العربية أمس، وإستمرت ليوم واحد، إمتدادا للجهود التي يبذلها منذ نيل حكومته الثقة في سبيل حشد الدعم للبنان والسعي الحثيث لاعادته الى المجتمع الدولي والى الحضن العربي بعد سنوات من العزلة التي عاشها سواء بفعل السياسات الخاطئة أو الفراغ القاتل.
من غلاسكو الى الفاتيكان الى مصر وما بينهما من إتصال ثلاثي فرنسي ـ سعودي ـ لبناني، ومن تمهيد لبدء التفاوض مع صندوق النقد الدولي، يحرص الرئيس ميقاتي على طرح قضية لبنان وعرض الأزمات الكثيرة التي يعاني منها شعبه، وعلى إعادة وصل ما إنقطع مع الأصدقاء والأشقاء خصوصا أن لبنان الملتزم بالمجتمع الدولي وبأفضل العلاقات مع الأشقاء العرب تكمن قوته في إلتفاف العالم حوله كـ”وطن رسالة” كما سبق ووصفه البابا القديس يوحنا بولس الثاني.
ربما لم تتعد زيارة ميقاتي الى القاهرة أكثر من عشر ساعات، لكنها كانت غنية باللقاءات التي إستهلها مع رئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسي، ورئيس الحكومة مصطفى مدبولي، ووزير الخارجية سامح شكري، وأمين عام جامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط وعدد من كبار المسؤولين، وهي كانت كافية لاستعراض الوضع المتأزم على كل صعيد، والعودة الى بيروت بوعود بتقديم كل ما يمكن أن يساعد لبنان في المجالات التي يحتاجها، حيث لمس ميقاتي عاطفة مصرية كبرى تجاه لبنان، كما حظي على المستوى الشخصي بحفاوة بالغة حرصت القيادة المصرية على إظهارها بكل مندرجاتها، وذلك تأكيدا على عمق العلاقة التي تربطها به، وعلى إعجابها بالتحدي الذي يخوضه في الداخل اللبناني وإصراره في الوقت نفسه على وقف الانهيار المتمادي.
يدرك الرئيس ميقاتي أن التواصل الشخصي بينه وبين القيادات التي يلتقيها سواء دولية أو عربية، يعطي فعالية واضحة وحماسة في ترجمة عملانية للدعم، فالرئيس الفرنسي يأخذ الأزمة اللبنانية على عاتقه، وهو أحدث خرقا إيجابيا في كسر الجليد السعودي، والبابا فرنسيس سارع الى الاتصال بماكرون لحثه على مزيد من العمل، كما تواصل الحبر الأعظم مع الامام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب الذي تجمعه معه “وثيقة الأخوة الانسانية”، بهدف الدفع باتجاه دعم لبنان، وقد كانت زيارة الأزهر الشريف على جدول الرئيس ميقاتي لكن وجود الشيخ الطيب خارج مصر حال دون ذلك.
أما الايجابية المصرية فبدأت منذ اللقاء الأول مع الرئيس عبدالفتاح السياسي الذي أظهر عاطفة كبرى تجاه وطن الأرز، مؤكدا “دعم حكومة ميقاتي للقيام بالمهمات الملقاة على عاتقها”، ومشددا على أن “لبنان بحاجة الى وفاق سياسي لاعادة استنهاضه من الكبوة التي يعاني منها ولكي يعود منارة العرب”
وأبلغ السيسي ميقاتي بأنه أعطى توجيهاته الى رئيس الحكومة مصطفى مدبولي لحث كل الوزارات المختصة على الاهتمام بمطالب لبنان وتلبيتها وفق الامكانات المتاحة.
وقد سارع مدبولي الى ترجمة رغبة السيسي، فعقد لقاء عمل موسع مع ميقاتي جرى خلاله عرض للطلبات اللبنانية في مجال الطاقة والربط الكهربائي وتقديم الدعم في مجال الغاز الطبيعي بصورة عاجلة، حيث تم نقاش مستفيض في مختلف الشؤون الادارية واللوجستية، إضافة الى المساعدات المتعلقة بالمواد الغذائية والأدوية، والعمل على تفعيل العلاقات الاقتصادية والتبادل التجاري وتسهيل الاجراءات المتبعة بين البلدين، وإستعداد مصر لاستقبال المنتوجات الزراعية اللبنانية على إختلافها، على أن يتم عقد اللجنة الوزارية المشتركة بين البلدين في لبنان قريبا بمشاركة رئيس الحكومة المصرية.
واللافت أن الترجمة العملية بدأت بعد إنتهاء الاجتماع مباشرة، حيث أجرى الرئيس ميقاتي إتصالا بوزير الزراعة عباس الحاج حسن، وأبلغه بالاتفاق الزراعي وطلب منه أن يتواصل مع وزير الزراعة المصري، فأبلغه الحاج حسن أن الوزير المصري إتصل به قبل قليل وحدد له موعدا الاسبوع المقبل، ما يشير الى جدية وحماسة من الجهة المصرية لتقديم الدعم اللازم، ويؤكد في الوقت نفسه أن الجهود التي يبذلها الرئيس ميقاتي على الصعيد الخارجي تنعكس إيجابا على لبنان، لكن العبرة تبقى في أن تحظى جهود رئيس الحكومة بالاحتضان الداخلي، وأن لا يفوت المعنيون في لبنان فرصة الدعم الدولي والعربي له بصراعات وخلافات ملّها اللبنانيون ولم تعد تجدي نفعا!..
Related Posts