عندما ينتقم اللبنانيون من بعضهم البعض!!… غسان ريفي

..وكأنه لا يكفي اللبنانيين ما يواجهونه من إنهيار إقتصادي يترافق مع وحش الدولار الأميركي الذي يفترس رواتبهم ومدخراتهم ويهدد أمنهم الاجتماعي والصحي والغذائي والانساني، حتى يقعوا في شرك شرائح واسعة من أبناء جلدتهم تهوى الممارسات الانتقامية من عمليات الاستغلال التي تؤدي الى سرقات موصوفة من جيوب المواطنين، الى إطلاق الشائعات المختلفة التي تجعل أبناء وطن الأرز في دوامة مستمرة ترخي بظلالها القاتمة على يومياتهم.

يبدو أن الأزمات المتلاحقة أفقدت اللبنانيين “المناعة”، حيث باتوا ينقادون خلف أي شائعة أو أو كذبة على مواقع التواصل الاجتماعي ليفتعلوا أزمات غير موجودة، ويربكون المجتمع بكامله من دون أن يصار الى التحقق منها  أو مواجهتها.

يمكن القول، إن الانهيار قد بدّل كثيرا من المفاهيم والعادات والتقاليد اللبنانية، حيث يبدو المجتمع بأشكاله المختلفة وكأنه غابة يأكل فيها القوي الضعيف، فلا رحمة في التعاطي بين الناس، ولا معايير واحدة لأسعار السلع التي ترتفع يوميا، ولا مراعاة لأحوال الفقراء، ولا إكتفاء بالربح القليل، ولا أمانة ولا إتقان في العمل مهما كان نوعه، ما يجعل السواد الأعظم من اللبنانيين أمام إستباحة كاملة من أكثرية تسمى بـ”تجار الأزمات”، إضافة الى تجار الموت الذين يقذفون باليائسين في البحر تحت عنوان “الهجرة” وهم يعلمون بأن مراكبهم تقودهم نحو المجهول.

لم يعد منطقيا ما تشهده المناطق اللبنانية كافة، ففي الوقت الذي تؤكد فيه وزارة الاتصالات أن لا زيادات على أسعار بطاقات تشريج الخليوي، يرفع تجارها الأسعار بزيادة تصل الى حدود عشرين ألف ليرة وأكثر، أو يسارع بعضهم الآخر الى إحتكارها تمهيدا لبيعها في السوق السوداء، ما يدفع الدولة لاحقا الى رفع الدعم عنها لتوفيرها للمواطنين فيرزحون تحت مزيد من الأعباء، تماما كما حصل في أزمة المحروقات التي حقق من خلالها كثير من اللبنانيين أرباحا طائلة سواء بالتهريب أو بالاحتكار أو بالبيع في السوق السوداء الى أن رفع الدعم عنها فخلت المحطات وكذلك الشوارع من السيارات التي تحولت بالنسبة لكثيرين من الكماليات.

وكذلك الحال بالنسبة للأوراق النقدية من فئة المئة دولار أميركي  “الدولار الأبيض أو القديم”، حيث فجأة ومن دون سابق إنذار أطلقت شائعة حول عدم صلاحيتها، فتوقف الصرافون عن التداول بها أو أخذها من المواطنين وكذلك التجار إلا باقتطاع نسبة تتراوح بين خمسة الى عشرة دولارات ما أعطى البعض فرصة لتحقيق أرباح طائلة، وبالرغم من تعميم مصرف لبنان وشركة OMT وكذلك السفارة الأميركية وجمعية المصارف بهذا الشأن، ما يزال البعض يصر على سرقة من يحملها بنسبة 5 الى 10 بالمئة منها، وذلك من دون رقيب أمني أو حسيب قضائي.

وعلى قاعدة: “المال السايب يعلم الناس الحرام”، فإن غياب الدولة عن مراعاة مصالح أبنائها يجعلهم عرضة لشتى أنواع الاستغلال الذي ترجم وما زال يترجم بالدواء والاستشفاء والغذاء وكل ما يمت الى تفاصيل حياتهم اليومية، ولا ينتهي الأمر عند هذا الحد، ليخرج بعض من يسمون أنفسهم مسؤولين أو قيادات ليضاعفوا من التهويل وبث الرعب في صفوف المواطنين من التهديد بالمجاعة وبوصول الدولار الى أرقام قياسية وبالفلتان الأمني والاجتماعي، بدل أن يسارعوا الى القيام بواجباتهم في القيام بالمعالجات المطلوبة، وتهيئة الظروف الملائمة لانطلاق العمل الحكومي بما يعيد الانتظام العام الى الدولة ومؤسساتها ويؤسس للانقاذ المنشود.

كل ذلك يحصل واللبنانيون في سبات عميق، فمن ثار وملأ الشوارع إحتجاجا على زيادة ستة دولارات على تطبيق الواتساب عندما كان الدولار بـ 1500 ليرة، خرج من الشارع نهائيا بعد تخطيه عتبة الخمسة آلاف، وها هو اليوم يتربع على سعر الـ 24 ألفا ولا حياة لمن تنادي، والثورة التي آمن بها الناس في 17 تشرين الأول 2019، تشلعت بين مجموعات وهيئات ولجان وتسميات وغدت كـ”غثاء يحملها السيل” لا تأثير لها ولا طائل منها، وهي في معظمها اليوم تتلهى بالاتهامات بين بعضها البعض على مواقع التواصل الاجتماعي.

هذا الواقع بدأ يطرح سلسلة تساؤلات، أبرزها: هل بات لبنان يعيش حالة فساد أفقية من السلطات السياسية والادارية المتعاقبة الى كل فئات الشعب؟، أم أن اللبنانيين بدأوا بالانتقام من بعضهم البعض بفعل الانهيار الذي يسعى كل منهم الى أن ينقذ نفسه منه؟، وهل نقلت السلطة الفاسدة العدوى الى سائر اللبنانيين؟، أم أن “مثلما تكونوا يولى عليكم”؟!…


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal