إنطوت مئة وستون سنة على الأحداث الدامية في العام 1860 والتي أودت بحياة المئات من اللبنانين، والتي تبين أنها كانت نتيجة صراعات وتجاذبات دولية بين الانكليز والاتراك من جهة، والفرنسيين وحكام مصر من جهة مقابلة. وقد جسدّت مسرحية “صيف 840” للأخوين رحباني أحداث تلك الفترة وما سبقها أصدق تمثيل، بما تضمنت من رياء لبناني إزاء من يستولي على هذه الأرض، عملاً بالمثل القائل: “مين ما أخذ أمي، بيصير عمّي”.
الامبراطورية البريطانية تحجمت وحلّت أميركا كدولة عظمى على أنقاض مستعمراتها، ولكن بصمات التدخلات الانكليزية ما زالت في العديد من الأماكن الحساسة في العالم. والسلطنة العثمانية زالت ويحاول الرئيس رجب طيب أردوغان استعادة أمجادها. في حين أن مصر مكبلة بأكثر من قضية محورية إقليمية بعد أن أخرجتها إتفاقيات “كامب دايفيد” من دورها الريادي العربي. بينما فرنسا التي خسرت معظم مستعمراتها تحاول التشبث بآخر مواقع لها في القارة الافريقية ولاسيما دولتي مالي والتشاد، وإعادة إحياء حنانها على لبنان الجريح بانفجار الرابع من آب مع أزمة الكورونا الطويلة الأجل وأزمة سياسية مستعصية كمرض عُضال.
وفيما بدا أن التاريخ أعاد نفسه في ظروف لاحقة مشابهة، فالأوساط السياسية في لبنان منشغلة منذ نصف حَولٍ بما يُطلق عليه تسمية المبادرة الفرنسية، الهادفة إلى التفتيش عن مخرج مقبول لما يعانيه لبنان من مشكلات سياسية لا تحسده عليها أية دولة على الكرة الأرضية. ولكن بالرغم من حماسة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لتسجيل نقطة ايجابية في “إضبارته” الرئاسية التي قد تساعده في التجديد، الاّ أن التعثر ووضع العصي في دواليب التأليف هما سيدا مستقبل تلك الخطوة التي ما إن تتخطى عقدة حتى تجد أصعب منها.
ولأن الفرنسي ليس صاحب قرار حاسم في هذا الاتجاه أو ذاك لإعتبارات عديدة، فهو مجبر على أخذ المطالب الأميركية المعقدة بعين الإعتبار، وكذلك التمنيات الخليجية المتعددة الأوجه، من دون أن ينسى عدم إغضاب الأتراك، ومسايرة بعض زملائه في الاتحاد الأوروبي وبالتأكيد بريطانيا الخارجة حديثاً منه.
هذا في جانب، أما في جانب الممانعة وحلفائها فحدّث ولا حرج، حيث عليه عدم تحدي إيران وسوريا والعراق مع عدم إغفال الدور الروسي القابع على مرمى حجر من الحدود اللبنانية في قاعدة حميميم.
فهل المطلوب تدويل للوضع اللبناني أكثر مما هو حاصل، والكل يُدرك أن هناك مئات وربما الآف العملاء على الساحة؟ إلاّ إذا كان المطالبون بالتدويل يهدفون إلى استجلاب قوات دولية تعمل على نزع سلاح حزب الله ولاسيما صواريخه الدقيقة التي تقض مضاجع اسرائيل، وعندها ستدور الاسئلة حول من سيكون “البطل” المستعد للتضحية من أجل معركة يعرف كيف تنطلق ولكنه لن يستطيع رؤية نهاية للنفق الذي أدخل نفسه فيه!.
مواضيع ذات صلة: