بالرغم من دخول الاحتجاجات المطلبية في طرابلس أسبوعها الثاني وتسجيلها أعمال حرق وتخريب وسرقة في المؤسسات العامة والممتلكات، إلا أن تعاطي الأجهزة المعنية من حكومية وإدارية وأمنية مع الواقع الطرابلسي ما يزال قائما على ″الترقيع″..
حتى الآن، لا خطوات حاسمة تجاه المتورطين في أعمال الشغب الذين إستعادوا نشاطهم، ولا إعطاء لأية معلومات أولية عن الموقوفين المتهمين بالاعتداءات على البلدية والمحكمة الشرعية وجامعة العزم، ولا إجراءات جدية لحماية السراي التي تمثل رمز وهيبة الدولة، وهي تعرضت مجددا أمس لأكثر من عملية إقتحام ورشق بالحجارة من قبل المحتجين.
الكل مربك تجاه ما حصل في طرابلس، خصوصا أن النتائج سلبية جدا في الشكل والمضمون ولا بد من أن يتحمل المعنيون مسؤولية تقصيرهم تجاه حماية مؤسسات طرابلسية هي بالأساس ملك للدولة اللبنانية، علما أن كل أبناء المدينة الذين شعروا في أربع ليال متتالية أنهم متروكون لمصيرهم، ينتظرون مصارحة أمنية وقضائية للاعلان عن كل من موّل وحرض ونفذ وشارك وتدخل في تنظيم هذه “الغزوة” التي أساءت الى الدولة من رأس الهرم الى قاعدته قبل أن تسيء الى طرابلس.
هذا الارباك بدا واضحا على وزير الداخلية العميد محمد فهمي الذي تبين من خلال سلسلة إطلالات إعلامية له أنه لا يمتلك تبريرا لما حصل، كما لا يمتلك معلومات عن هوية المتورطين، وكانت لافتة زيارته الخاطفة لبلدية طرابلس من دون إبلاغ رئيسها رياض يمق الذي لم يكن وصل الى البلدية وبالتالي لم يستطع إستقباله، خصوصا أن فهمي غادر بعد دقائق قليلة، لينتقل الى السراي حيث ترأس إجتماعا أمنيا موسعا، تأخر خمسة أيام حيث كان من المفترض أن يعقد بعد أول ليلة ساخنة عاشتها طرابلس.
وبالرغم من الاجتماع الأمني، فإن السراي تعرضت لأكثر من محاولة إقتحام، وإنهالت عليها الحجارة والمفرقعات من كل حدب وصوب، ما يطرح سؤالا محوريا لجهة: لماذا تصر القوى الأمنية على عدم ضرب طوق أمني حول السراي بشكل لا يمكن لأحد أن يقتحمها أو أن يعتدي عليها تماما كما يحصل في السفارات عند كل إعتصام إحتجاجي أمامها؟، وهل من الأمن في مكان أن تُترك أبواب السراي وأسوارها مشرعة للمحتجين بما يمكنهم من الوصول إليها بسهولة ورمي الحجارة عن قرب بما يؤدي الى مزيد من التخريب؟..
لم يبق مسؤول في طرابلس إلا طلب منع المحتجين عن أبواب السراي، لأن وصولهم إليها يهدد بإحراقها بقنابل المولوتوف التي يستطيع راميها أن يوصلها الى الداخل، لكن أحدا لم يستجب بعد لهذه المطالب، فهل هناك مخطط جديد لاحتراق السراي خصوصا أن الاحتجاجات عادت أمس الى ما كانت عليه ونجح الجيش اللبناني في ضبطها؟، وهل سيتكرر مشهد إرتفاع وتيرة الاحتجاجات في كل ليلة وصولا الى إرتكاب جريمة جديدة؟، الأمر برسم وزير الداخلية وتوجيهاته للقوى الأمنية.
لم ينته الأمر عند هذا الحد، بل ثمة محاولات حثيثة بدأت تجري لتجهيل الفاعل في كل ما حصل، أو حرف الأنظار عنه، لمصلحة إستحضار الأزمة الاجتماعية وتحويلها الى “شماعة” لتعليق الاعتداءات عليها، إضافة الى إستغلال “جواب مجازي” للرئيس نجيب ميقاتي فرضه سؤال خلال مقابلة صحافية للبدء بالحديث عن الأمن الذاتي وإمكانية التسلح.
في هذا الاطار، يعلم القاصي والداني أن الأزمة الاجتماعية هي القضية الأساسية والمركزية في طرابلس وأن أحدا لا يمكن أن يتخلى عنها وأن لدى المدينة حق عند الدولة بمفعول رجعي لا بد أن تحصل عليه، وهذه الأزمة لا تبرر بأي شكل من الأشكال لأي كان إحراق البلدية والمحكمة الشرعية والسطو على بعض المؤسسات.
كما يعلم القاصي والداني، أن الرئيس ميقاتي هو رجل دولة داعم للأجهزة الأمنية والعسكرية، وبالتالي لا يمكن أن يطرح الأمن الذاتي أو يدعو إليه.
في كل الأحوال، فإن ما تشهده طرابلس هو نتيجة طبيعية لسنوات طويلة من إهمال الدولة التي عليها اليوم أن تطفئ النيران بإطلاق سراح المساعدات المخصصة لها والابتعاد عن الروتين الاداري والكف عن إستفزاز شعبها لأن الأمور لم تعد تحتمل، فضلا عن الاسراع في التحقيقات لكي تعلم طرابلس من هو غريمها الذي أحرقق مؤسساتها، لأنه بمعرفة الحقيقة تتحصن المطالب الاجتماعية وتتحصن الثورة التي تُستهدف من جهات مختلفة.
مواضيع ذات صلة: