ثمة سؤال كبير يطرح نفسه بالتزامن مع السلوك الأميركي وهو، هل ترغب الولايات المتحدة فعلا في حل الأزمة اللبنانية وتأمين فرص النجاح لعهد الرئيس جوزاف عون، أم أنها تسعى الى تطويقه وإحداث فتنة داخلية في لبنان تريح من خلالها إسرائيل لإستكمال مخططاتها التدميرية جنوبا، وتكون بداية للفوضى التي تقوم بتحضيرها للمنطقة بكاملها، إنطلاقا من قرار الرئيس دونالد ترامب بتهجير الفلسطينيين من غزة والضفة الغربية الى مصر والأردن؟.
حتى الآن، يبدو أن السياسة الأميركية تحاول تحميل العهد ما لا يستطيع تحمله، وتؤسس لإحداث هوّة سحيقة بينه وبين شرائح مجتمعية لبنانية، من خلال التدخلات والمطالب والإنتهاكات المتكررة للسيادة الوطنية، والصمت المطبق حيال الممارسات الإنتقامية والاجرامية للعدو الاسرائيلي، ما يضع العهد ورئيسه بين سندان السياسات الصهيوأميركية وإملاءاتها ومطرقة الشعب اللبناني الذي يضع الآمال العريضة للوصول الى بر الأمان الاقتصادي والاجتماعي والأمني.
بالأمس نفذت أميركا عبر نائبة مبعوثها الى الشرق الأوسط مورغن أورتاغوس إعتداء موصوفا ومتعدد الأوجه على الدولة اللبنانية وسيادتها من بوابة القصر الجمهوري الذي زارته والوفد المرافق للإجتماع مع الرئيس جوزاف عون، فلم تحترم الخصوصية اللبنانية بوضعها خاتم نجمة داوود الاسرائيلية في يدها، كما لم تقم وزنا للتضحيات التي قدمها لبنان في حربه مع العدو الصهيوني، فشكرت إسرائيل على حربها وهنأتها على ما أسمته “هزيمة حزب الله” متجاوزة كل الجرائم والمجازر التي إرتكبتها، ولم تتوان عن إنتهاك السيادة بتدخلها في عملية تشكيل الحكومة والتأكيد على منع حزب الله من المشاركة فيها.
هذه التصريحات الفتنوية لم تأت بالمراد الأميركي، وحسنا فعل رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون أن أعطى توجيهاته لدوائر القصر الجمهوري بإصدار بيان التبرؤ مما ورد في كلامها الذي أعطى الاجابة الشافية للسؤال المطروح، وهي أن أميركا تريد الفتنة في لبنان، وأن ما لم تستطع إسرائيل القيام به عبر الهجوم البري خلال الحرب، تسعى أميركا الى أن توصلها اليه، من خلال زرع الشقاق بين اللبنانيين والتأسيس لتوترات يمكن توقع بدايتها، لكن يصعب التكهن بنتائجها الكارثية.
لا شك في أن القاصي والداني يدرك أن تهميش أي مكون في لبنان من شأنه أن يفتح أبواب الفتنة على مصراعيها، وبالطبع فإن البلاد لا تحتاج الى مزيد من الأزمات حتى تأتي من يُفترض بها أن تقدم حلولا للأزمات أو أن تساعد في معالجتها، لتعمل على تأليب اللبنانيين على بعضهم البعض من خلال محاولة إلغاء مكون أساسي له دوره وحضوره وتأثيره في لبنان.
جاءت أورتاغوس لتقدم وجه أميركا القبيح، ولتقول أن بلادها ليست وسيطا نزيها، وليست راعية لإتفاق وقف إطلاق النار، بل هي راعية لإسرائيل ولا يهمها سوى مصالحها وأمنها، وإذا كانت المبعوثة الأميركية أعلنت إلتزام بلادها بإنسحاب الجيش الاسرائيلي من القرى الجنوبية الحدودية في 18 شباط الجاري، فلأنها تدرك مع إدارتها أن الجيش الصهيوني لا يستطيع البقاء فيها، وتجاربه السابقة ما تزال ماثلة أمام الجميع، وهو سيخرج مرة جديدة مهزوما تحت ضربات المقاومة.
والمستغرب في تصريحات أورتاغوس الاستفزازية هو صمت “السياديين” المتشدقين ليلا نهارا بالشعارات الاستقلالية وبرفض التدخلات في الشؤون الداخلية اللبنانية، علما أن السيادة لا تتجزأ، ولا يمكن الكيل فيها بمكيالين، فلا يمكن لهؤلاء أن يكونوا “عناتر” في إتهام إيران بالتدخل، ويتحولون الى أتباع وعبيد أمام السيد الأميركي.
أما الرئيس المكلف نواف سلام، فيبدو أنه “إستذوق” ما جرى يوم التكليف لجهة إنصياع النواب للقرار الأميركي القاضي بتسميته، وهو اليوم يريد الاستناد الى العصا الأميركية الغليظة لإستخدامها في تشكيل الحكومة وتأمين الثقة لها، ومن ثم تطويق كل معارض له، وهذا من شأنه أن يضعه أمام مساءلة طائفته الوطنية والعروبية بالدرجة الأولى، والتي لا يمكن أن تكون الى جانب المشروع الأميركي الداعم لاسرائيل والساعي الى تهجير الفلسطينيين من أرضهم وزرع بذور الفتنة في لبنان تمهيدا للفوضى المطلقة في المنطقة.