دائماً ما يترافق الكذب والدجل مع الإجرام والقتل والإبادة والتطهير العرقي والتمرد على القيم الأخلاقية والانسانية وعلى القوانين والمواثيق الدولية، من أجل التغطية على الموبقات التي تمارسها الدول والكيانات والنظم القائمة على العنف، والقتل، والعنصرية، والتمييز.
إستطاع الكيان الصهيوني ومن معه من داعمين وعلى رأسهم الإدارة الأمريكية وغيرها من الحكومات والأنظمة السائرة على دربهم، أو تلك المغلوب على أمرها بسبب قيود السياسة والاقتصاد والأمن، استطاعوا تحويل العالم الى غابة تسود فيها شريعة الغاب على مبدأ (الغابة تبرر الوسيلة)، حيث استخدموا الكثير من الوسائل الخبيثة في غابتهم التي يريدون للعالم أن يعيش فيها، ومن أبرز هذه الوسائل الكذب والدجل الذي وصل الى حد الوقاحة.
هم يعرفون جيداً أن سردياتهم الكاذبة ودعاياتهم السخيفة لن يصدّقها عاقل ولن يتقبّلها انسان يعرف معنى الانسانية، ولكن فائض القوة والعنجهية والإجرام لدى هؤلاء جعلهم لا يأبهون بمن لا يصدقهم ولا بالرأي العام العالمي ولا يبالون بالحراك المدني العالمي ولا بمشاعر الملايين حول العالم، حيث يكفيهم بعض السذُج والمجرمين والمستفيدين والمتطرفين والعنصريين والجبناء والخانعين والعملاء والخونة وذباب الطابورين الخامس والسادس، لينشروا لهم اكاذيبهم ودعاياتهم التي فاق حجمها حجم المجازر والدمار والخراب الذي تحدثه آلة الحرب والدمار الاسرائيلية بحق المدنيين الأبرياء في فلسطين ولبنان، وبسلاح أمريكي وغربي.
سنعرّج باختصار على بعض هذه السرديات الكاذبة التي يروج لها الكيان الصهيوني وحلفاؤه:
• سردية (حق اسرائيل في الدفاع عن نفسها)
هذه السردية الخبيثة والسخيفة التي تقدِّم الكيان المحتل للعالم على أنه ضحية وديعة مسالمة، تطعن بحقائق التاريخ والجغرافيا والسياسة، وتستخف بعقول الناس وتستفزّ مشاعرهم، وتنفي صفة الاحتلال عن الكيان الصهيوني وبالتالي تتجاهل أساس المشكلة، وتعطيه صك براءة وضوء أخضر على جرائمه وعلى سياساته الممنهجة والقائمة على العنف والتطهير العرقي والتجويع وحرب الإبادة وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية ضد الشعب الفلسطيني، وتنفي عن الشعب الفلسطيني صفته كشعب تحت الاحتلال وبالتالي تنفي عنه حقه في الدفاع عن نفسه أمام احتلال قائم منذ اكثر ٧٥ سنة.
• سردية (اسرائيل هي الديمقراطية الوحيدة في المنطقة)
تستخدم اسرائيل وحلفاؤها هذه السردية لتحسين صورتها ولتشويه صورة الآخرين، وللتغطية على حقيقتها الاستعمارية والاستيطانية، فإسرائيل هي الكيان الاستيطاني الوحيد في الشرق الأوسط القائم على التوسع، حيث يحتل بلداً وشعباً بكامله ويعتبر الاحتلال الصهيوني للأراضي المحتلة هو الأطول في العصر الحديث، هجّر خلاله ملايين الفلسطينيين، وسرق أراضيهم وبنى وما زال يبني المستوطنات عليها في تحدّ فاضح للقانون الدولي.
كما أن إسرائيل تمارس (الديمقراطية) بشكل عنصري، حيث يتمّ التمييز ضد المواطنين الفلسطينيين قانونًا وممارسةً، وهذا ما يعرف قانوناً بالفصل العنصري، كما أن إسرائيل ترفض تطبيق القانون الدولي على الأراضي المحتلة.
تحمل هذه السردية الكثير من العنصرية والاستعلاء والاستغباء والكذب، فإذا كان يُقصد بالديمقراطية اجراء انتخابات والتصويت الحر وما شابه، فهناك أكثر من دولة ديموقراطية في الشرق الاوسط ومن بينها تركيا ولبنان والكويت!
المضحك أن الدول التي تتغنى (بديمقراطية اسرائيل الزائفة) وعلى رأسها أمريكا هي نفسها من يدعم وبقوة الأنظمة الديكتاتورية في منطقة الشرق الاوسط التي تمارس سياسة القمع وتكميم الأفواه ضد شعوبها.
• سردية (اسرائيل تمثل القيم الغربية في الشرق)
تحاول اسرائيل جاهدة تصوير نفسها على أنها القاعدة المتقدمة للقيم الغربية في الشرق، وسداً منيعاً أمام (الشر والظلام والتخلف وما الى ذلك)، وأن أي خطر يتهددها هو خطر يتهدد القيم الغربية (رغم أن هذه القيم غير موجودة في قالب واحد حيث تاجر بها صنّاع القرار وأصحاب المصالح، وجعلوها مجرد شعارات خشبية جامدة كجمود تمثال الحرية في امريكا، لا روح فيها ولا حياة، بل واصبحت مادة للاستهزاء والسخرية بعد الإبادة الجماعية في غزة المدعومة من معظم دول الغرب التي تتغنى بهذه القيم).
لن يستطيع كيان فوق القانون متل الكيان الصهيوني ومن ورائه امريكا أن يتغنى بالقيم في الوقت الذي يقتل الأطفال ويمارس حرب الإبادة، ويتحدّى القانون الدولي والمواثيق الدولية وشرعة حقوق الإنسان والقرارات الدولية ويعتدي على الوكالات الدولية ومن بينهم وكالة الأونروا، ويتحدّى الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية التي تُعتبر الجهاز القضائي للأمم المتحدة، وهي واحدة من الأجهزة الرئيسية الستة للأمم المتحدة، التي تشمل (الجمعية العامة، ومجلس الأمن، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي، ومجلس الوصاية، والأمانة العامة)، ويتعامل بفوقية وازدراء وبالوعيد والتهديد وبأسلوب العصابات مع المحكمة الجنائية الدولية، حيث يتحدى قراراتها يهدد أعضاءها، يدعمه بذلك الإدارة الأمريكية التي تمارس الضغوط على المحكمة وتهدد أعضاءها بالعقوبات.
ما ترتكبه اسرائيل من جرائم ضد الإنسانية وبغطاء ودعم أمريكي وغربي أدى الى دفن هذه القيم التي يتغنون بها تحت أنقاض الركام والدمار في غزة، غير أن وجود ما يكفي من الأحرار في المجتمعات الغربية ممن يحملون القيم الأخلاقيّة والإنسانية الحقيقية، قيم الحرية والعدالة، مع ما يملكون من الوعي، جعل منهم صوتا يصدح بالحق ويصرخ بوجه اسرائيل وحلفائها: أنقيمنا الحقيقية لا تشبه قيمكم المزيفة وأن كفى قتلا وكذبا ومتاجرة!
الحقيقة الساطعة التي تدحض كل الأكاذيب هي أن اسرائيل كيان محتل، احتلال قائم على فائض القوة وعلى الدعم الغربي والضعف والتخاذل العربي، وبانتفاء هذه الشروط والأسباب سينتفي الاحتلال، أما الأكاذيب والخرافات فزبد يذهب جفاء.
الكاتب: فواز شوك
رئيس تحرير مجلة الوسط الاسترالية
Related Posts