تركت الخروقات الاسرائيلية التي إستهدفت أمس بلدات مختلفة في جنوب وشمال نهر الليطاني، سلسلة تساؤلات حول ماهية تفاهم وقف إطلاق النار الحاصل بين الولايات المتحدة والعدو الصهيوني بمعزل عن لبنان، خصوصا بعدما أعلن العدو أنه أبلغ الادارة الأميركية بهذه الضربات قبل تنفيذها، لكنها في الوقت نفسه لم تُطلع الحكومة اللبنانية عليها، ولا طلبت من الجيش منع إقتراب الأهالي العائدين لحمايتهم من النيران المعادية، فضلا عن دور لجنة المراقبة الدولية، وهل تم تشكيلها ضمن غرفة عمليات لتتلقى الشكاوى؟، أم أن هذا الأمر لم يحصل حتى الآن؟، وإذا لم يكن كذلك، فلماذا لم تواكب اللجنة وقف إطلاق النار لمنع الاستفزازات الاسرائيلية؟.
في كل الأحوال، فإن الأسباب الموجبة التي قدمتها إسرائيل لتبرير إعتداءاتها المستجدة على البلدات الجنوبية والأهالي، لم تكن مقنعة، حيث جاءت على قاعدة “ضربني وبكى سبقني وإشتكى”، كما أن “عنتريات” رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو حول إمكانية “إعطائه الأوامر الى الجيش لإستئناف الحرب على لبنان في حال قامت المقاومة بخرق تفاهم وقف إطلاق النار”، لم تنطل على الداخل الاسرائيلي الذي يعتبر بأكثريته أن “نتنياهو رضخ للبنان والمقاومة وإلتزم بتفاهم الهزيمة والعار”.
لا شك في أن العدو يحاول من خلال هذه الاعتداءات تعديل مضمون تفاهم وقف إطلاق النار مع لبنان بقوة الميدان وتحويله الى أمر واقع، لكن الواضح أن لبنان ملتزم بالتفاهم الذي توافق عليه مع المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين بكامل بنوده من دون زيادة أو نقصان، وهو لن يقدم أية تنازلات أو يتهاون مع المحاولات الاسرائيلية لإنتهاك السيادة اللبنانية، وهذا ما دفع الجيش أمس الى إصدار بيان وثق فيه ما حصل، مؤكدا أن “العدو الإسرائيلي أقدم على خرق الاتفاق عدة مرات، من خلال الخروقات الجوية، واستهداف الأراضي اللبنانية بأسلحة مختلفة”، لافتا الى أن “قيادة الجيش تتابع هذه الخروقات بالتنسيق مع المراجع المختصة”.
كما يبدو واضحا أن عودة النازحين الى بلداتهم وقراهم بهذه السرعة وبهذه المعنويات المرتفعة التي رسمت صورة واقعية لإنتصار المقاومة، قد صدم العدو الاسرائيلي بشكل كبير وكسر إرادته وزاد من إحراجه أمام مجتمعه، خصوصا أن المستوطنين الذين خاض نتنياهو الحرب من أجلهم لم يعودوا الى منطقة شمال فلسطين، وهم يرفضون حتى الآن العودة خوفا من المقاومة، في حين ضاقت طرقات الجنوب بأرتال سيارات الأهالي العائدين الى أراضيهم بالرغم من وجود العدو الاسرائيلي فيها وإعتداءاته عليهم.
هذا الواقع، يؤكد أن تفاهم وقف إطلاق النار سيواجه العديد من المطبات، في ظل السلوك الاسرائيلي الهمجي الذي يبحث عن صورة إنتصار مفقودة ولن تكتمل، لا سيما إذا ما تمت المقارنة بين صورة المستوطنات الشمالية الفارغة من سكانها الذين آثر الكثير منهم اللجوء الى الهجرة العكسية، وبين صورة البلدات الجنوبية والبقاعية والضاحية التي تضيق بأهلها وناسها العائدين الى أنقاض منازلهم ومحلاتهم.
هاتان الصورتان المتناقضتان تؤكدان بما لا يقبل الشك، أن المقاومة منعت العدو من تحقيق كل أهدافه، وأن المستوطنين الخائفين من العودة لا يثقون بتفاهم وقف إطلاق النار الذي أنجزته حكومتهم، في حين أن أبناء الجنوب والبقاع الذين وصلوا الى أراضيهم مع دخول التفاهم حيز التنفيذ رافعين شارات النصر يتماهون الى أبعد الحدود مع مقاومتهم وجيشهم، تجسيدا وتأكيدا على معادلة “الشعب والجيش والمقاومة”.
Related Posts