خيبة إسرائيلية في جريمة “مجدل شمس”.. الدروز أوفياء على درب المقاومة!.. وسام مصطفى

“أيها العرب السوريون:

تذكّروا أجدادكم وتاريخكم وشهداءكم وشرفكم القومي، تذكّروا أنّ يد الله مع الجماعة، وأنّ إرادة الشعب من إرادة الله.. لقد نهب المستعمرون أموالنا، واستأثروا بمنافع بلادنا، وأقاموا الحواجز الضارة بين وطننا الواحد، وقسّمونا شعوبًا وطوائفَ ودويلاتٍ، وحالوا بيننا وبين حرية الدّين والفكر والضمير وحرية التجارة، والسفر حتى في بلادنا وأقاليمنا..

إلى السلاح أيّها الوطنيون؛ إلى السلاح تحقيقًا لأماني البلاد، إلى السلاح تأييدًا لسيادة الشعب وحرية الأمّة، إلى السلاح بعدما سلب الأجنبي حقوقكم، واستعبد بلادكم ونقض عهودكم، ولم يحافظ على شرف الوعود الرسمية، وتناسى الأماني القومية”.

بهذه العبارات الراسخة؛ حدّد سلطان باشا الأطرش القواعد والأسس التي بنى عليها دعوته لقيام الثورة السورية الكبرى وقيادتها في العام 1925. هذه الثورة التي جاءت بين زمنين مفصليين من عمر الأمّة العربية والإسلامية. الأول: فشل الثورة العربية الكبرى بقيادة الشريف حسين وابنه الملك فيصل، في تحقيق الحرية والاستقلال عن الاحتلالين الفرنسي والإنكليزي، فانساقت نحو التسليم والرضوخ إلى شرذمة سوريا إلى دويلات منفصلة تحت حكم العسكر. والثاني: إعادة استنهاض المقاومين، خصوصًا في سوريا ولبنان والأردن، سعيًا لتأسيس مسار استقلالي رافض لاستمرار الهيمنة، وتكريس عنوان جامع ينضوي الأحرار تحت مظلته لإنجاز الاستقلال.

تحقّق الزمن الثاني، في العام 1936، وشكّل خطوةً انتقالية مهّدت لإعادة توحيد سوريا بعد أن قسّمها الاحتلال أربع دويلات: دمشق، حلب، جبل العلويين وجبل الدروز، وقادت إلى تشكيل حكومة وطنية، وصولًا إلى إخراج الفرنسيين من سوريا نهائيًا في العام 1946.

هكذا؛ حقّق سلطان باشا أهدافه التي أعلنها في بيان الثورة، فأنجز الانتصار واستعاد حرية البلاد ولو بعد حين. وعاونه في ذلك كبار الأبطال المقاومين، من سوريا ولبنان وفلسطين، والذين يزخر التاريخ بأسمائهم المضيئة في ظلمة الزمن العربي. وهو لم يكن قائدًا للموحّدين الدروز فقط؛ بل ملهمًا لكل مسلم أو مسيحي شريف، مهما كان انتماؤه الطائفي.. فهود قد أبى التسليم لسلطة الاحتلال، واختار أن يحمل السلاح “تأييدًا لسيادة الشعب وحرية الأمة” كما جاء في بيان الثورة. ولعلّ العنصر الأهم، في سياق المعادلة الكبرى، هو التقاء المقاومين، على الرغم من انتشارهم الجغرافي واختلافهم الديني، باتجاه رفع نير الاحتلال عن كاهل الأمة، مهما كان نوع هذا الاحتلال وهويته، فتجسدت الثورة في رجالاتها الذين ثاروا وأسسوا لمنهج المقاومة.

في هذا السياق؛ يقول المؤرخ الراحل الدكتور كمال صليبي إنّ: “دروز الشوف حملوا السلاح ضد الحكم العثماني عندما كانت الدولة العثمانية في أوجّ قوّتها.. وابتداءً من أواسط القرن التاسع عشر هبّ أهالي جبل الدروز في حوران لمقاومة الدولة العثمانية، عندما بدأت هذه الدولة تحاول تشديد قبضتها على ولاياتها الشامية.. وفي منتصف العشرينات من القرن العشرين، ثار دروز حوران ضد الفرنسيين، بعد أن خرجت فرنسا من الحرب العالمية الأولى منتصرة ومُنحت الانتداب على سوريا ولبنان.. وكانت الثورة الدرزية بقيادة سلطان باشا الأطرش الشرارة لثورة سورية عامة ضد الانتداب الفرنسي، والتي استمرت ثلاثة أعوام”.

الكلام هنا يستحضر الشيخ ناصيف النصّار العاملي، والذي سعى إلى توحيد العامليين والفلسطيينيين والدروز والبعلبكيين وغيرهم لمواجهة أحمد باشا الجزار، خلال حملته على مناطق جبل عامل.. وكذلك السيد عبد الحسين شرف الدين وأدهم خنجر في مقاومة الفرنسيين، وكذلك توفيق هولو حيدر الذي حرّر مدينة بعلبك من الاحتلال في أيار 1926م، وثأر للشهيد الكبير أحمد مريود من قاتله الفرنسي الكابتن بوافان، وكان اليد الضاربة للثورة السورية الكبرى في البقاع اللبناني، حتى التحق في العام 1927 برفاقه الثوار في جبل العرب.

لم تأتِ الثورة ردًا على الدكتاتورية الفرنسية وعمليات القمع وتقسيم سوريا إلى دويلات فحسب، بل قامت في جوهرها على رفض ممارسات الاحتلال في إثارة النزعات الطائفية وفرض التغريب الثقافي ومحاولة إحلال الهوية الفرنسية بدلًا من الهوية العربية وثقافتها. وهذا نفسه ما يقوم به الدروز في المناطق المحتلة في فلسطين، والجولان على وجه الخصوص، حيث أفشلوا محاولات الصهاينة منذ ثلاثينيات القرن العشرين في فرض الهوية اليهودية على فلسطين، وعلى قرى الجولان بعد احتلالها في الثمانينيات. وعلى الرغم من سريان الأنظمة الإدارية التي فرضها العدو، في هذه القرى، وإجبار سكانها على اتّباع الإجراءات الإسرائيلية، إلا أن الدروز لم يتخلّوا عن هويتهم الأصيلة في لغتهم وثقافتهم وعاداتهم، والأهم في انتمائهم العروبي الثابت الذي لم يتزحزح، وفي تأييدهم لخيار المقاومة من خلال ما ورد ويرد في أدبياتهم السياسية والاجتماعية ومواقفهم الشعبية عمومًا.

انطلاقًا ممّا تقدم وربطًا بالجريمة التي ارتكبها الاحتلال، في بلدة مجدل شمس الدرزية العربية، يتضح من استقراء ردود الفعل ومواقف القيادات والوجهاء والفعاليات الشعبية، على اختلاف مستوياتها التمثيلية فيها، أن الجريمة تخفي مسعًى فتنويًا صهيونيًا يهدف إلى زرع بذور التفرقة والشقاق بين أبناء الصف المقاوم الواحد. لكن أهل البلدة مطمئنون بأنّ المقاومة، كما صواريخها، دقيقة في اختيار الأهداف وضربها بشكل مباشر، كما أكدت فعاليات البلدة من خلال مواقفها المعارضة للعدو والمؤيدة للمقاومة وتصديقها وطردهم مسؤولي الاحتلال وعلى رأسهم بنيامين نتنياهو.

إنّ المساعي الصهيونية للإيحاء بأنّ أبناء الطائفة الدرزية يتماهون مع الاحتلال هي ساقطة حتمًا، وإنّ المعروفيين الذين حفروا مآثرهم الوطنية والإسلامية على صفحات التاريخ سيبقون أوفياء لإرثهم النضالي الشريف.. وهم، كما سلطان باشا الأطرش، متمسكون بعاداتهم وتقاليدهم النبيلة وبالقيم والشهامة الأصيلة، فلا يسكتون على ضيم، ولا يبخلون على الوطن والأمة بالغالي والنفيس، وهم كما كانوا دومًا في طليعة القافلة التي ترفع لواء المقاومة.


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal