تعبئة باسيلية ضد الحكومة.. لا رئيس جمهورية ولا تصريف أعمال!!.. غسان ريفي

عندما وضع المشرّع في الدستور اللبناني بند تكليف الحكومة تصريف الأعمال بحدها الأدنى بعد إستقالتها سواء بإنتهاء ولاية رئيس الجمهورية أو بالانتخابات النيابية أو بقرار من رئيسها، كان يعتبر أن أقصى فترة ممكنة للشغور الرئاسي أو لعملية تأليف الحكومة هي شهر على الأكثر، ولم يكن يخطر بباله أن تصل الأمور الى مرحلة يستمر فيها الفراغ لسنوات، وفي ظل إنهيار كامل لمقدرات البلاد، وإلا لكان أعطى حكومة تصريف الأعمال الصلاحيات الكاملة التي تخولها القيام بواجباتها في معالجة مشاكل اللبنانيين وتسيير المرفق العام ومنع تمدد الفراغ الى مؤسسات الدولة.

لم يكن الرئيس نجيب ميقاتي مضطرا للقيام بأي عمل حكومي خارج عن تصريف الأعمال بالحد الأدنى لولا المسؤولية الوطنية التي يحملها على عاتقه وحرصه على المصلحة العامة، وهو كان بوسعه أن يغادر البلاد أو أن يبقى ويشاهد الانهيارات المتتالية للدولة ومؤسساتها وصولا الى الارتطام الكبير وإنعدام الأمن والاستقرار وحلول قانون الغاب مكان الشرعية، وذلك بعد ست سنوات عجاف لعهد أوصل البلاد والعباد الى الدرك الأسفل من جهنم.

رفض ميقاتي التخلي عن مسؤولياته، وقام بواجباته وفقا لمقتضيات الدستور والقوانين التي وُضعت أساسا ليس من أجل التعطيل وإنما لخدمة الناس وتأمين مصالحهم، متجاوزا كل الانتقادات والاتهامات والاستهداف والحصار ومحاولات التعطيل وصولا الى التجريح الشخصي، إيمانا منه وممن يدعم توجهاته بأن السلطة القائمة في لبنان تتمثل بالحكومة ومجلس النواب وعليهما مواجهة كل التحديات والعمل على إنقاذ ما يمكن إنقاذه والحؤول دون إستمرار الانهيار بإنتظار أن تتحمل الكتل النيابية مسؤولياتها وتكف عن مخالفة الدستور بعدم إنتخاب رئيس للجمهورية.

حرص ميقاتي على تأمين الميثاقية في حكومته التي تجتمع لاتخاذ القرارات التي لم يعد من الممكن تصنيفها بين ملحّة وغير ملحّة بعد سنة وخمسة أشهر من الفراغ الرئاسي والحبل على الجرار الى أجل غير مسمى وسط تنامي الأزمات، حيث تضم وزراء من كل المكونات الممثلة في مجلس النواب سنة وشيعة ودروز وموارنة وأرثوذكس وكاثوليك وأرمن وأقليات، وبالتالي لا يمكن لأي كان أن يطعن بشرعية التمثيل فيها إلا إذا كان هناك بالنسبة لبعض التيارات، مسيحي درجة أولى ومسيحي درجة ثانية أو مسيحي معترف به أو غير معترف به، وهو تصنيف يسيء الى المسيحيين عموما في لبنان.

اللافت، أن بعض التيارات المسيحية تنتقد الحكومة بشدة عندما تقصر في معالجة أي أزمة أو إتخاذ أي قرار، وهي نفسها تنتقدها على القيام بواجباتها، وهي نفسها أيضا التي رفضت التشريع في مجلس النواب بغياب رئيس الجمهورية، وهي نفسها من شرعت عندما دعت حاجتها لذلك، وهي أيضا من أشادت في بعض الأحيان بعمل الحكومة وشكرتها على إتخاذها بعض القرارات.

وما يثير الاستغراب مؤخرا، هو التعبئة الباسيلية ضد الحكومة ورئيسها، والتباكي على المواقع المسيحية والمارونية منها بشكل خاص، في وقت يتحمل فيه المسيحيون والموارنة تحديدا من رأس الهرم حتى آخر نائب في البرلمان، مسؤولية في تعطيل الاستحقاق الرئاسي، إلا أن شعور جبران باسيل بفقدان النفوذ، وتراجع الشعبية الى حدود العدم، دفعه الى المحاولة لتسجيل الأهداف في مرمى الحكومة في ممارسة شعبوية تستجدي عطفا شعبيا من هنا وإثبات وجود من هناك.

كل ذلك، يضع اللبنانيين أمام إزدواجية في المعايير وتناقض كبير وقع فيه النائب جبران باسيل في المؤتمر الصحافي الذي عقده أمس الأول، حيث قدم نفسه كحامي حمى الحقوق المسيحية التي أهدرت خلال عهد عمه الرئيس ميشال عون سواء في بدايته حيث حاول إختصار المسيحيين بتفاهم معراب وأطلق عليهم صفة “الفراطة” أو بعد سقوط التفاهم باستئثاره بكل المواقع المسيحية ومحاولاته تهميش شركائه في الطائفة والدين الى حدود الإلغاء، من دون أن يبادر وهو كان الحاكم بأمره الى إنتاج دولة ومؤسسات تعزز من الوجود المسيحي الذي لا يكون بالصلاحيات ولا بالمواقع وإنما بالاستقرار الذي يؤمن إستمرار هذا الوجود وتفعيله.

يمارس باسيل النكد السياسي بكامل مندرجاته لتعويض الشعور بالنقص في النفوذ والشعبية، فهو يطالب بتوقيع كل الوزراء على المراسيم والقرارات، ويمنع سبعة وزراء محسوبين على تياره من المشاركة في الحكومة، وهو يتحسر على منع المسيحيين من إنتخاب رئيس للجمهورية، ويرفض تقديم أي مرشح أو التوافق مع الشركاء المسيحيين على أي مرشح، ويدعو الى الحوار ويتصدى لدعوة الرئيس نبيه بري إليه، وبالتالي فإن باسيل لا يريد إنتخاب رئيس للجمهورية ولا يريد أن يدفع وزراءه للمشاركة في الحكومة وفي القرارات التي تتخذها، ولا يريد لهذه الحكومة أن تجتمع وتعمل، بل يريد تعطيل البلد ومصالح اللبنانيين ومضاعفة معاناتهم ومآسيهم تحقيقا لطموحاته الرئاسية التي لم ولن تتهيأ ظروفها.

وأكثر من ذلك، في الوقت الذي تقف فيه إسرائيل على أبواب لبنان وتهدد يوميا بتدمير البلاد بطولها وعرضها، وفي الوقت الذي تخوض فيه المقاومة الحرب على جبهتيّ التصدي للعدو ومنعه من القيام بحرب بقوة الردع، يهدد باسيل بإرباك الوضع الداخلي بتحركات سياسية وشعبية وقضائية ونظامية، ويحرض طائفيا ويثير الغرائز، ما يدعو الى التساؤل: لمصلحة من يعمل باسيل؟!..


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal