الهجرة غير الشّرعية في العام 2024: تزايدٌ أم انخفاض؟.. عبدالكافي الصمد

يطوي العام 2023 آخر صفحاته يوم الأحد المقبل، بعدما شهد لبنان فيه طوال أيّامه السّابقة، وإنْ بشكل متقطع، موجات هجرة غير شرعية عن طريق البحر، إلى حدّ أنّه كان لا يمرّ شهر، وأحياناً أسبوع، من غير إبحار قارب وعلى متنه عشرات الأشخاص موزّعين بين جنسيات سوريّة، وهم الأغلب، ولبنانيين وفلسطينيين، متّجهين في رحلة مجهولة بحثاً عن مستقبل أفضل لهم ولعائلاتهم بعدما ضاقت بهم السبل.

وتبيّن من خلال رحلات الهجرة هذه أنّها مغامرة غير مضمونة النتائج، وأغلبها تحمل طابع الخطورة على مصير من ساروا فيها، ذلك أنّ القوارب التي يبحرون فيها هي إمّا قوارب صيد أو قوارب نزهة، وبالتالي هي ليست صالحة للإبحار مسافات طويلة نحو الدول الأوروبية، وتحديداً قبرص الأقرب إلى لبنان، فضلاً عن اليونان وإيطاليا، بعدما سُدّت السُبل أمام المهاجرين في التوجّه إلى تركيا ومن هناك الدخول برّاً إلى أوروبا، بعد أن شدّدت الدول الأوروبية إجراءاتها الرقابية على حدودها البرّية.

وكشفت رحلات الهجرة غير الشّرعية بحراً عن وجود شبكات “مافيا” تتولى هذه المهمّة، يتوزع الأشخاص المشرفين عليها إلى جنسيات مختلفة، مستغلين الأوضاع الصّعبة للمهاجرين، فيجنون آلاف الدولارات مقابل ذلك، ويحوّلونها إلى تجارة رابحة، بعدما وصل السّعر الذي يقبضونه عن كلّ شخص ينوي الهجرة بين 3 آلاف دولار كحدّ أدنى وصولاً إلى 7 آلاف دولار، في موازاة إزدهار تجارة بيع وشراء القوارب إلى هذه العصابات.

هذه القوارب تبيّن خلال هذه السّنة، وقبلها، أنّها أشبه بتوابيت تبخر في عباب البحر، حيث أنّ احتمال غرقها مع من فيها من مهاجرين هو الأرجح وأنّه لا ينجو منها إلّا كل طويل عمر، وهو ما كشفته حوادث غرق قوارب عدّة ووفاة من كانوا على متنها، كما حصل في القارب الذي غرق قبالة شاطىء طرابلس في شهر نيسان من العام 2022، حيث قضى فيه أكثر من 60 شخصاً، وغرق قارب آخر أمام شاطىء مدينة طرطوس السّورية في أيلول من العام نفسه كان على متنه أكثر من 100 شخص لقوا حتفهم.

تزايد الهجرة غير الشّرعية على هذا النحو في العام الماضي، والذي أدّى إلى سقوط ضحايا بالعشرات، دفع الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية إلى تشديد إجراءاتها ورقابتها هذا العام للحدّ من موجات الهجرة، وهي إجراءات أثبتت نجاعتها جزئياً، غير أنّها لم توقف عمليات الهجرة، إذ كشفت المعلومات أنّ الجيش اللبناني تمكّن خلال شهر كانون الأول الجاري من إنقاذ 3 قوارب هجرة غير شرعية قبالة شاطىء طرابلس والميناء، إنطلقت جميعها من منطقة العبدة في عكّار، بعدما تعطلت في عرض البحر، ما دفع المهاجرين الذين كانوا على متنها إلى طلب الإستغاثة والإنقاذ.

وإذا كانت دوافع الهجرة غير الشرعية معروفة، وهي معيشية وإجتماعية بالنسبة لأغلب من يغامرون بالهجرة الذين دبّ اليأس في نفوسهم، فإنّ هذه الدوافع ما تزال على حالها، ما يطرح تساؤلات حول إنْ كانت هذه الهجرة ستستمر على المنوال ذاته أم لا، وهل أنّها ستتزايد أم ستتراجع، وهل هناك خطط جدية لمعالجة أسبابها ودوافعها قبل مواجهتها والحدّ منها، وهل سيتحوّل لبنان بسببها إلى بلد هجرة غير شرعي إذا استمر الوضع على حاله؟..


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal