أزمات 2023 مستمرة في 2024!.. عبدالكافي الصمد

لا شيء يشير في الأفق المنظور، إلى أنّ أزمات لبنان في العام 2023 الذي يطوي آخر أيّامه يوم الأحد المقبل لن تستمر على حالها في العام 2024 الذي يطلّ على العالم يوم الإثنين المقبل، أو بأن تتفاقم أكثر، وبأنّ هذا البلد الذي يرزح تحت أزمات بنيوية عميقة ومتلاحقة منذ أواخر عام 2019 سوف يتعافى منها قريباً.

عندما اندلعت شرارة الأزمة بالتزامن مع حَرَاك 17 تشرين الأوّل 2019، ظنّ البعض بأنّها مجرد أزمة عابرة وستنتهي قريباً، وستعود الأمور إلى نصابها وكأنّ شيئاً لم يكن، مثل غيرها من الأزمات السّابقة، لكنّ هذه الظنون ذهبت أدراج الرّياح بعدما تبيّن أنّ الأزمة عميقة جداً، وهي جاءت نتيجة سياسات خاطئة تراكمت طيلة السنوات والعقود الأخيرة التي أعقبت إنتهاء الحرب الأهلية العام 1990، وأنّ معالجتها ليس بالأمر السّهل أبداً، وهي تحتاج إلى جهود وإمكانات كبيرة للغاية، وإلى فترة زمنية تقاس بالسنوات على أقل تقدير، إنْ لم يكن بالعقود.

طيلة السّنوات الأربع السّابقة كانت الأزمات تتفاقم عاماً بعد آخر، وبدل أن يُعثر لها على حلول ولو جزئية، كانت تكبر مثل كرة الثلج، وتنمو وتتمدد ويتفرع عنها أزمات أخرى تنمو على أطرافها مثل الفطر، خصوصاً الأزمات الإقتصادية والمالية والمعيشية والإجتماعية، ما جعل أيّ أزمة تتحوّل مع مرور الأيّام إلى أزمات لا تجد لها سبيلاً للخروج منها.

سياسياً، أنتجت الإنتخابات النيابية التي جرت صيف عام 2022 “مجلس أزمة” عجز عن إنتخاب رئيس للجمهورية طيلة 12 جلسة إنتخاب منذ الفراغ الرئاسي خريف ذلك العام، كما عجزت السّلطة عن تشكيل حكومة جديدة بعد الإنتخابات، ما جعل الحكومة برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي تستمر في تصريف الأعمال منذ ذلك الحين، في ظلّ عدّة مؤشرات تركت إنطباعاً واسعاً أنّ تصريف الأعمال سيستمر طويلاً، لأنّ الفراغ الرئاسي لن يُملأ في وقت قريب.

هذا الفراغ لم يقتصر على الرئاسة الأولى بل امتد إلى مصرف لبنان وجهاز الأمن العام حيث تتم إدراتهما بالتكليف بعدما عجزت الحكومة بسبب الإنقسام السّياسي عن التعيين في المنصبين بعد انتهاء ولاية الحاكم رياض سلامة واللواء عبّاس ابراهيم على التوالي، وكاد الأمر يمتد إلى قيادة الجيش والمديرية العامة لقوى الأمن الداخلي لولا ضغوط داخلية وخارجية فرضت التمديد لقيادتي المؤسستين، العماد جوزاف عون واللواء عماد عثمان، لمدّة سنة، وسط مؤشّرات تقول إنّ خطر الفراغ لن تنجو منه مؤسّسات أخرى إذا ما استمر الفراغ في الرئاسة الأولى على حاله.

كلّ ذلك يأتي بينما أزمات المنطقة ما تزال على حالها من التأزّم، في العراق وسوريا وليبيا واليمن، قبل أن تنفجر حرب غزّة في 7 تشرين الأوّل المقبل لتقلب المعادلات في الشرق الأوسط رأساً على عقب، وقبلها الحرب في أوكرانيا التي “خربطت” خريطة التحالفات في أوروبا والعالم.

ما سبق يدلّ الى أنّ القوى الإقليمية والدولية المؤثّرة في الملف اللبناني منشغلة بملفات أخرى أكثر أهمية، وذلك يعني بوضوح أنّ أزمات لبنان المختلفة التي تتفاقم عاماً بعد آخر، وتحديداً في السنوات الأربع الأخيرة، سوف تنتقل معه من العام الحالي إلى العام المقبل بلا عناء كبير، وأنّ معاناة اللبنانيين مستمرة عاماً آخر على الأقل.


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal