بعد أشهر من الأخذ والرد، والسجالات والاجتهادات والنقاشات والمواقف التي لم تخل من الافتراءات، أسدل الستار إيجابا على ملف التمديد لقائد الجيش العماد جوزيف عون، بعد تصديق مجلس النواب على تعديل قانون الدفاع الوطني برفع سن التقاعد للضباط من رتبة عماد ولواء لمدة سنة، ما يعني تمديدا تلقائيا لعون ولمدير عام قوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان.
مرّ قطوع التمديد، بعدما جرى تطويقه من قبل رئبسيّ مجلس النواب والحكومة نبيه بري ونجيب ميقاتي، وبعدما أيقنت الأكثرية النيابية أن الحفاظ على المؤسسة العسكرية وهيكليتها وحماية إستقرارها يتطلب المشاركة في جلسة التشريع بغياب رئيس الجمهورية وفق قاعدة “الضرورات تبيح المحظورات” وتماشيا مع حالة الطوارئ التي يعيشها لبنان من الحرب في الجنوب وتنامي التهديدات الاسرائيلية الى الوضع الداخلي وأزمات النزوح والاقتصاد والمال والاشكالات المسلحة التي تجتاح المناطق، فكانت الجلسة التي توّجت بتعديل قانون الدفاع والحؤول دون حصول فراغ في المؤسسة العسكرية ما قد يؤدي الى تصدعها أو جعلها رهينة تجاذب سياسي.
يمكن القول، إن الكل كان رابحا في تعديل قانون الدفاع، والكل كان راضيا بالتوازن الذي ترجم بشمول اللواء عماد عثمان بهذا التعديل، وبالتالي فقد إنتصر المجلس النيابي، وإنتصرت المؤسسة العسكرية وإنتصر اللبنانيون الذين كانوا مهددين بفقدان صمام الأمان الأخير في لبنان وخط الدفاع النهائي عنه، باستثناء من أراد أن يلحق الخسارة بنفسه مجانا بفعل تعنت غير مبرر وإستهداف مستغرب وسلوك لا يمت الى المسؤولية الوطنية بصلة.
لم يخسر جبران باسيل، بقدر ما أساء الى نفسه والى تياره بمحاولته زعزعة المؤسسة العسكرية وإستهداف قائدها، لأسباب لا علاقة لها بالقانون ولا بالدستور، وإنما بفعل مصلحة شخصية تقدمت على مصلحة البلاد العليا، وتقتضي إزاحة العماد جوزيف عون من طريق جبران باسيل كونه منافس قوي له على رئاسة الجمهورية، فكانت هذه الحملة الشعواء التي لم تراع الضرورة القصوى لأن تبقى مؤسسة الجيش في هذه الظروف متماسكة وبمعنويات مرتفعة لكي تحافظ على أمن وإستقرار لبنان، كما لم تحفظ تاريخ التيار الوطني الحر الذي كان دائما الى جانب المؤسسة العسكرية الى درجة أنه كان ولا زال يُعرف بتيار الجيش.
مع إقتراب العاشر من كانون الأول، كثرت السجالات والمناورات ومساعي التعطيل التي قادها باسيل تارة بشكل شخصي، وتارة أخرى عبر وزير الدفاع موريس سليم، وقد حاول رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أن يأخذ هذا الملف بصدره من خلال دعوة سريعة وإستثنائية لمجلس الوزراء لطرح تأجيل تسريح العماد عون لستة أشهر، متجاوزا كل المطبات والعقبات والعراقيل التي وضعها الوزير سليم وخصوصا عبر رسالته الأخيرة التي أدخلت الجميع في حالة من الارباك، لكن شاءت ظروف تحرك المتقاعدين العسكريين على أبواب السراي الى منع وصول عدد كبير من الوزراء، ما إضطر ميقاتي الى تأجيلها الى صباح يوم الثلاثاء المقبل.
وما أخفقت السراي في إقراره ورحّلته الى الثلاثاء، كان الرئيس بري له بالمرصاد من خلال الالتزام مع الكتل النيابية الأخرى بأن المشاركة في جلسة التشريع ستتوج بتعديل قانون الدفاع والتمديد لقائد الجيش، وهكذا كان سواء على صعيد تأمين النصاب بالتعاون مع الكتل والنواب الداعمين لهذا التعديل أو على صعيد التصويت له وتصديقه.
مع إنتهاء أزمة قيادة الجيش، تبين أن باسيل سار بعكس التيار اللبناني الذي جرفه الى موقع لا يُحسد عليه، خصوصا أنه عمل على توريط عمه رئيس الجمهورية السابق ميشال عون الذي قال بأن “التمديد لقائد الجيش لا يمر إلا على جثته”.
وبحسب متابعين، فإن باسيل وضع تياره وتكتل لبنان القوي في مواجهة قيادة الجيش بشكل غير مباشر ما من شأنه أن ينعكس سلبا عليه في المستقبل مع خروج أصوات عدة من التيار والتكتل ترفض الأسلوب الذي إتبعه مع العماد عون.
ويرى هؤلاء أن ما حصل خلال الفترة الماضية يؤكد بما لا يقبل الشك أن باسيل مستعد للتضحية بلبنان ومؤسساته وأمنه وإستقراره وشعبه مقابل تحقيق مصلحته الشخصية.
Related Posts