تعتبر مدينة غزة من أكبر مدن القطاع، تقع في شماله، في الطرف الجنوبي للساحل الشرقي من البحر الأبيض المتوسط.
ثمانون كيلومتراً تفصلها عن مدينة القدس إلى الجنوب الغربي. تحيط بها صحراء سيناء، مصر وأرض فلسطين المحتلة، دولة إسرائيل. مساحة غزة لا تتجاوز 56 كم2، وعدد سكانها لا يتجاوز 700,000 نسمة وتعتبر أكبر المدن كثافة بالسكان في العالم.
ومازال الحصار لمدينة غزة قائماً، بل شمل جميع مدن القطاع. مطارها متوقف عن الخدمة، منافذها البحرية والبرية بما فيها معبر رفح البري بين مصر والقطاع جميعها مقفلة. أُذِنَ، من خلال معبر رفح، بمرور بعض المساعدات الإنسانية ولفترة قصيرة من الزمن عددها لا يتجاوز أربع وثمانين شاحنة محمَّلة بمواد غذائية، دوائية ومستلزمات أخرى.
أغلق بعدها المعبر قسراً تمهيدا لغزوٍ بري جامح لا يبقي ولا يَذَر على أي كائن في شامل القطاع كما جاء على لسان العدو الإسرائيلي.
قطاع غزة يسجِّل اليوم ملحمة جديدة في فنون القتال، نموذجاً للمقاتل الفلسطيني في الصمود، صوراً حيَّة في الفداء بالأرواح، امثولة في الصبر والعَضّ على الجراح من سقوط آلاف الجرحى في ساحة المعركة، آية أخرى من التضحيات اختبار تحمُّل القدرة البشرية من آثار تدمير كافة الممتلكات بما فيها أرواح قاطنيها من: مستشفيات، مدارس، كنائس، مساجد، أبراج سكنية وحتى الوصول إلى البنى التحتية في شامل القطاع.
ملحمة تاريخية يسطِّرُها الشعب المقاوم في غزة بدمائه الطاهرة وشهدائه الأبرار وكأنها حرب إبادة لشعب بكامله.
ما يجري الآن في غزة أعاد بذاكرتنا إلى الوراء إلى القرون الأولى من التاريخ القديم العربي مُذْذاك حين جاء الغزاة الأولون إلى مدينة غزة والقطاع في أشكال ومسميات مختلفة، منهم الفراعنة، الإغريق، الرومان، البيزنطيون، العثمانيون، حتى الوصول إلى أيام الانتداب البريطاني عام 1917. تلاها أيام النكبة للشعب الفلسطيني بأجمعه عام 1948. حينها تشتَّت الشعب الفلسطيني المغدور وانتشر في أصقاع الأرض، معظمهم انتشروا في كافة البلدان العربية لاسيما في البلدان المجاورة برّاً. بقي القلَّة من هذا الشعب العظيم تصارعُ الحياة أو الموت على أرضهم المغتصبة أمام الغزاة الصهاينة، غزاة العصر الحديث حتى تاريخ يومنا هذا.
حتى إذا جاءت أيام النكسة في الرابع من حزيران من عام 1967 شُتِّتَ مرة أخرى الشعب الفلسطيني وتبعثر في كل مكان من الوطن العربي المحيط بفلسطين المغتصبة وانتشروا في محيطه بمسميات مخيمات اللاجئين الفلسطينيين. حينها حَمِل هذا الشعب المناضل أسماء مخيماتها بوثائق سفر للبلدان العربية المضيفة. تلا بعد ذلك كمٌّ من المفاوضات والرحلات المكوكية ما بين الفلسطينيين والإسرائيليين برعاية أمريكية مباشرة، انتهت جميع المفاوضات بمؤتمر أوسلو عام 1993 ومن ثم نالوا الحكم الذاتي الفلسطيني في 4 أيار 1994. آخر الأحداث ما أنتجته الانتخابات الفلسطينية المحلية آنذاك من شرخ عميق بين الفصائل الفلسطينية بسبب نتائجها عام 2006.
لا يمكننا وصف المعركة الجارية إلا أنها حرب ضد شعب مقاوم يطالب بحقوقه الشرعية وتمسُّكه بأرضه والدفاع المستميت عن وطنه السليب.
حرب تخاض على مساحة القطاع كله بمساحة 365 كم2 وعدد سكانه يتجاوز المليونيّ نسمة. حرب دون هوادة قد تحوِّل مدينة غزة بالذات إلى مقبرة جماعية بما فيها جيوش الغزاة في حال اجتياحهم البري للقطاع. حتى الآن المعركة العسكرية الدائرة في غزة تقع تحت وصف التموضع للعدو الإسرائيلي على أرض المعركة وهي ليست سوى محاولات عسكرية تكتيكية نتائجها قد تحدد لاحقا بما يسمى الاجتياح البري الكبير.
في هذا السياق، أتوجه بكل فخر واعتزاز إلى أحفاد النكبة رجالا ونساء وأطفالا وشيوخا، وإلى المقاتلين الشجعان منهم بالذات في ساحات المعارك الملتهبة مع العدو الصهيوني الدائرة في قطاع غزة برمته.
لا أستطيع أن أتناول الوصف الحقيقي لملحمة غزة سوى أن أستعين بما ذكره الله في وصفه المؤمنين المقاتلين في كتابه العزيز “أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ” صدق الله العظيم. (سورة الحج – الآية 39)
رعى الله قضية فلسطين وحمى الله أهلنا في قطاع غزة.
الكاتب: المهندس شفيق ملك
Related Posts