أمام هول المجازر اليومية التي يرتكبها العدو الاسرائيلي بحق المدنيين أطفالا ونساء وشيوخا في غزة، وأمام الصمت المطبق عربيا إما جُبنا أو تواطئا أو تخاذلا أو تآمرا، وأمام سياسة الكيل بمكيالين من قبل المجتمع الدولي، فإن الخيارات مفتوحة على كل الاحتمالات في المنطقة التي قد تشهد “ميني” حرب عالمية إذا لم تتقدم سياسة الدبلوماسية على خيار العدوان المستمر من الجو والابادة الجماعية للفلسطينيين.
بالرغم من كل الدماء التي سالت وما تزال تسيل في غزة والدمار الأفقي الذي لحق بها، ما تزال أميركا تسعى الى قيام تحالف أميركي إسرائيلي أوروبي غربي دعما للحرب على غزة، حيث بدا واضحا من الاجتماع الذي أجراه الرئيس جو بايدن على الهاتف مع رؤساء غربيين أنه يعمل على إيجاد حاضنة غربية للاعتداءات الاسرائيلية تحت شعار “حقها في الدفاع عن نفسها”، لكن بايدن نفسه لم يستطع تجاوز مطالب بعض المشاركين في الاجتماع بضرورة الطلب من إسرائيل الالتزام بالقانون الدولي وبحماية المدنيين.
لا شك في أن ما يحاول الرئيس بايدن الوصول إليه غربيا لدعم إسرائيل، قد يواجه بحلف مقابل، روسي صيني وربما كوري وفنزويلي داعما لمحور المقاومة الذي لم يعد مستبعدا أن تتحرك جبهاته دفعة واحدة لمواجهة الغطرسة الاسرائيلية ومن يقف خلفها ويدعمها ويمدها بالمال والسلاح.
لذلك، فإن إسرائيل تواجه مأزقا كبيرا في عدم قدرتها على إضعاف المقاومة الفلسطينية بالرغم من القصف الجوي المستمر ليلا ونهارا، حيث ما يزال الخلاف قائما بين حكومة العدو والجيش حول جدوى الاجتياح البري الذي تحول دونه المخاوف الاسرائيلية والأميركية من جهوزية المقاومة التي تمتلك أنفاقا وأسلحة وخبرات من شأنها أن تحوّل الاجتياح البري الى جحيم يغطي إسرائيل التي بدل أن تحفظ ما وجهها بتحقيق تقدم ملحوظ، ستتعرض لهزيمة ثانية ستكون وبالا عليها وعلى رئيس حكومتها نتنياهو المأزوم داخليا، خصوصا إذا ما فُتحت جبهات المحور وجرى طيّ صفحة الأسرى الموجودين لدى حماس والذين قتل عدد منهم بنيران إسرائيلية نتيجة القصف العشوائي.
وبالرغم من كل تلك المخاطر تبدو إسرائيل مجبرة على تنفيذ الهجوم البري لأن تراجعها اليوم وذهابها الى المفاوضات سيلحق بها هزيمة من شأنها أن تضرب هيبتها وتؤسس لإنهيار كيانها وتهديد وجودها، لذلك فإن أميركا تسعى الى إيجاد مظلة غربية أوروبية داعمة لاسرائيل، إضافة الى إعتماد الخطوات العسكرية الأكثر أمانا والأقل من ناحية الخسائر، بما في ذلك التفكير في إجتياح بري محدود جدا للانتقال بعد ذلك الى المفاوضات.
ولا يقل المأزق الأميركي عن المأزق الاسرائيلي، خصوصا أن الولايات المتحدة تعمل بكل ما أوتيت من قوة ونفوذ لمنح إسرائيل إنتصارا في حربها على غزة للاستفادة منه في الحملة الانتخابية للرئيس جو بايدن، لكنها تخشى فتح جبهة الجنوب اللبناني، فضلا عن سائر الجبهات التي بدأت تعبر عن نفسها باستهداف المصالح الأميركية، حيث شكل إستهداف القاعدة الأميركية على الحدود السورية العراقية التركية، رسالة واضحة بأن المسيّرات قادرة على الوصول الى قيادة القواعد الأميركية الموجودة في المنطقة، وهي قادرة مع الصواريخ الدقيقة على إكمال طريقها بإتجاه فلسطين المحتلة والمرافق الاسرائيلية الحيوية والى سائر القواعد، ما سيجعل الأميركي يفكر مليا قبل الاقدام على خطوة قد توقعه في المستنقع الفلسطيني واللبناني والعراقي والسوري واليمني.
هذا الواقع يؤكد بما لا يقبل الشك أن إسرائيل ومعها أميركا والغطاء الغربي الذي تحاول توفيره لن يستطيع التغلب على محور المقاومة في منطقة فيها العديد من المصالح الأميركية والأوروبية، وتحتضن حركات مقاومة من نسيج شعبها وعائلاتها وليست طارئة أو دخيلة على مجتمعاتها..
Related Posts