“غزة: بين مرارة التاريخ وعزم المقاومة”… د. إيمان درنيقة الكمالي

لطالما كانت غزّة غصّةً تُؤرق العدو المجرم، وكابوسًا يُربك وجودهم ، حتّى أنّ رئيس وزراء الاحتلال الأسبق إسحاق رابين، تمنّى ذات مرّة أنْ يستيقظ من نومه فيجد غزّة قد ابتلعها البحر.

لكنّ غزّة اليوم، وبالرّغم من كلّ ما تعرّضت له من حصار وتنكيل، وتدمير وتهجير ، وحرمان وإبادة، ما زالت تقف بكل عزّة ومفخرةٍ وبطولة، لتعطيَ العالم كلّه درسًا في المقاومة والتمسّك بالقضية الحقّة، بإرادةٍ صلبة لا تعرف الاستسلام، وعزيمةٍ ثابتة لا يكسرُها القصفُ ولا العدوان .

واذا كان للباطل جولة، فللنّصر جولات، فمنذ انعقاد المؤتمر الصهيوني الأوّل، عام 1897 ، بقيادة ثيودور هرتزل ، لم تمرّ اسرائيل بوقتٍ كانت فيه أكثر وهنًا من يومنا هذا ، ومع أنّها خاضت حروبًا وجولاتٍ كثيرةً مع العرب حقّقت في بعضها انتصاراتٍ عدّة، بدءا من عام 1948، وحتى عام 1967 عندما احتلّت هضبة الجولان، وغزة، والضفّة الغربية وسيناء، الّا أنّها منيت عام1973، بهزائمَ وخسائرَ تجاوزت ألفي قتيل، و7200 جريح، إضافةً الى آلاف الأسرى.

واليوم وبعد مرور 50 سنة على حرب 1973 ، تعود ذاكرة الاسرائيليين الجماعيّة الى الوراء، ليتسترجوا ما منيوا به من أهوالٍ وكوارث، ولتثبت أحداث غزّة مجدًدا ( أي للمرّة الثّانية بعد 1973)، أنّ الكيان الاسرائيلي الّذي زرعه الغرب ، وبالقوّة، في الشرق الأوسط، هو كيان هشّ ضعيف، كيان “من كرتون” ، لا مجال للاستناد اليه او التطبيع معه، وأنّ سياسة الرّدع الّتي توسّلتها اسرائيل لعقود من السّنين لم تعد لها قيمة، طالما أنّ هذا الكيان ، بنفسه، وبكل ما أوتي من تقنيات عسكرية، ما زال بحاجة الى حزمة من المساعدات الاميركيّة ليستمر، الأمر الّذي تجلّى بوصول الحاملات الأميركية “جيرالد فورد” و”ايزانهاور” الى البحر المتوسّط، دون أن ننسى زيارة الرئيس الاميركي “بايدن” لدعم اسرائيل وتأكيد الوقوف بجانبها.

ولا غرابة في ذلك، خاصّة اذا ما عرفنا أن أمريكا قد اعترفت بالكيان اللقيط ، بعد 11 دقيقة فقط من قيامه. فماذا نتوقّع منها ومن سائر دول الضّلال في هذا العالم ، إلا مساعدة وحضّ الصّهاينة على الاستمرار في الاحتلال وفي ممارساتهم الإجراميّة ؟

يتفقون على إحراق فلسطين، أصحاب الأرض الشّرعيين، ويتأهّبون لنصرة المحتلّ المجرم الّذي ومنذ عام 1948 ، لم يدّخر وسيلة في قمع وإرهاب الفلسطينين.

يقلبون الحقائق، ليصبح المجرم الّذي يقتل ويشرّد ويعتقل ويضيّق، ويحرق القرى الفلسطينيّة، ويبالغ في الممارسات التعسفيّة، ويستخفّ بالمقدّسات الدينيّة، حملا وديعا ؛ و المقاوم المدافع عن أرضه إرهابيا همجيّا..

ينادون بالحريّة ، ويتشدّقون بأنّهم يتولّون مسؤولية الحفاظ على حقوق الانسان . ثمّة شعاراتٍ براقة كاذبة يرفعونها ويجعلون منها شماعّة لأعمالهم الوحشيّة.

يصفون الشّعوب العربيَة ( والفلسطينية بشكل خاص) بالحيوانات ، وهم بإنسانيّتهم المبتورة، إن لم نقل المنعدمة، وصهيونيتهم التي تسري في دمائهم الخبيثة، يقتلون ويشرّدون ، ويدمّرون البنى التحتية في غزة ويقضون على كل سبل العيش فيها، فهل من يستبيح حقوق الانسان في الحياة والكرامة يبقى إنسانًا ؟

وبدل أن تكون عقدة الهولوكوست ،وفق زعمهم، رادعا لليهود -الذين شربوا من هذا الكأس خلال الحرب العالمية الثانية- لعدم ارتكاب اعمال مشابهة ، ها هم اليوم يقدمون على محرقة المعمداني ليصل الاجرام الاسرائيلي الى نقطة تجعله يتساوى مع النازية.

كلّ ذلك، والمجتمع الدولي يقف وقفة الداعم لهذه الانتهاكات التي كان من المفروض أن تتمّ، وبشكل مباشر، مساءلة ومحاكمة المجرمين الذين ارتكبوها، امام المحكمة الجنائية الدولية.

ومع هذا نقول أنّ حلم رابين لن يتحقّق، فلا يمكن للحق أنْ يُبتلَع.

 قد تنجح اسرائيل في أن تدمّر أو تهزم غزّة، أو أن تقيّد قوّتها لعدّة شهور ، أو سنةٍ ، أو عقد ، لكن غزّة وفلسطين لن تخضعا، وستثبت القضيّة أنّه مهما بلغت القوّة الاستعماريّة من قوة عسكريّة، وصلافةٍ سياسيّة، أنّ كسرَها آتٍ لا محال….

الكاتب: د. إيمان درنيقة الكمالي

أستاذة جامعيّة

باحثة في العلوم السّياسيّة


Related Posts


 

Post Author: SafirAlChamal