عندما أعلن الجيش اللبناني، قبل أيّام، أنّه أوقف 8 آلاف نازح سوري دخلوا لبنان بشكل غير شرعي خلال شهر آب فقط، وقام بترحيلهم إلى بلادهم، جاء ذلك بالتزامن مع تدفق نازحين سوريين جدد قدموا إلى لبنان بكثافة لافتة في الأشهر الاخيرة، في مشهد أُطلق عليه وصف “النّزوح السّوري الجديد”.
هذا الوصف نبع من دخول آلاف النّازحين السّوريين إلى لبنان عبر معابر غير شرعية عدّة على طول الحدود مع محافظات عكّار وبعلبك ـ الهرمل والبقاع، بشكل أعاد إلى الأذهان ما شهدته هذه الحدود من موجات نازحين سوريين دخلت إلى لبنان مع بداية الأحداث في سوريا عام 2011، ما جعل عدد النّازحين السوريين الموجودين في لبنان اليوم يقارب عددهم مليوني نسمة، أيّ اكثر بقليل من ثلث الشعب اللبناني.
وكان لافتاً أنّ تدفّق النّازحين السّوريين الجُدد تزامن مع إرتفاع حدّة الخطاب في لبنان من قبل قوى سياسية معينة تدعو، إنطلاقاً من إعتبارات سياسية وطائفية، إلى إعادة النّازحين السوريين إلى بلادهم، وإغلاق الحدود مع سوريا بشكل تام أمامهم منعاً لدخول أيّ نازح جديد، متذرعين بأنّ لبنان لم يعد يحتمل المزيد منهم، ومحذّرين من تداعيات إقتصادية وإجتماعية وديموغرافية وأمنية على واقع البلد ومستقبله.
لكنّ المعارضين لدخول النّازحين السّوريين إلى لبنان، للإعتبارات الآنفة الذكر، لم يبادروا إلى تقديم أيّ خطط أو أفكار في هذا المجال، ورفضوا أيّة حلول طُرحت لهذا الغرض من قبل قوى سياسية أخرى، واكتفوا بموقفهم المعارض لدخول النّازحين السوريين إلى لبنان، مع تحميل الحكومة مسؤولية التقاعس في حماية الحدود وتخفيف ومنع تدفق النّازحين، برغم أنّ أشخاصا ومنظمات وهيئات وجمعيات محليّة محسوبة على هؤلاء المعارضين تستفيد بملايين الدولارات من النّازحين السوريين، عن طريق تعاونهم وعملهم مع المفوضية العليا لشؤون النّازحين، التابعة للأمم المتحدة.
هؤلاء المعارضون الذين رفض أغلبهم، قبل سنوات، إعادة النّازحين السّوريين إلى بلادهم تحت حجّة حمايتهم من الملاحقة الأمنية لهم هناك كون أغلبهم من المعارضين للحكومة السّورية، يعارضون اليوم أيضاً إجراء الحكومة اللبنانية أي حوار مع السّلطات في دمشق لهذا الغرض، بذريعة واهية هي عدم إعطاء الحكومة السورية شرعية لم تفقدها يوماً، وثبّتتها بقوة من خلال استعادة مقعدها في جامعة الدول العربية، من غير أن يشرحوا للرأي العام اللبناني كيف يمكن منع دخول النّازحين السّوريين إلى لبنان وإعادتهم إلى بلادهم إذا لم يحصل أيّ تواصل مع حكومة دمشق.
ومع أنّ المفوضية العليا لشّؤون النّازحين في لبنان ما تزال حتى اليوم تتقاعس في تسليم “داتا” المعلومات حول النّازحين السّوريين في لبنان إلى الحكومة اللبنانية، فإنّ المعارضين لم يصدر عنهم أيّ إنتقاد أو شجب واستنكار لعمل المفوضية، التي تتصرّف في لبنان وكأنّها دولة في داخل الدولة، وهو تصرّف لم تجرؤ على القيام به في جميع الدول التي تستضيف نازحين سوريين، وتحديداً في تركيا والأردن والعراق.
والأنكى من ذلك، فإنّه برغم أنّ السّلطات في دمشق أوضحت مراراً أنّها مستعدة للتفاوض مع الحكومة اللبنانية لبحث مسألة النّازحين، وأنّ ما يعيق عودتهم هو الحصار على سوريا الذي يعرقل ويمنع إعادة إعمار المناطق المتضررة، فإنّ المعارضين في لبنان يُشدّدون على رفض التواصل مع الحكومة السّورية، ويؤيدون بقوة تشديد الحصار على سوريا، ما يدفع للسؤال التالي: هل يريد هؤلاء المعارضين فعلاً إعادة النّازحين السّوريين إلى بلادهم؟!..
Related Posts