هوّة سحيقة في لبنان تفصل بين المسؤولية الوطنية وبين بعض التيارات السياسية التي يتأكد يوما بعد يوم ان معيارها الاساس في كل ما تتخذه من مواقف وما تقوم به من تحريض هو تحقيق مصالحها الشخصية وتسجيل النقاط على خصومها ولو كان ذلك على حساب البلاد الذاهبة الى الانفجار الامني والسكاني، والعباد الضائعة حقوقهم في ظل هذه الفوضى غير المسبوقة..
تتشدق تيارات سياسية يوميا بالحديث عن النزوح السوري ومخاطره والتقصير الحكومي في معالجته، وعندما ينعقد مجلس الوزراء خصيصا للبحث في ملف النزوح تطلب من وزارائها الاستمرار في المقاطعة فيطير نصاب الجلسة التي يُصر رئيس الحكومة نجيب ميقاتي على دمج ملف النزوح في الجلسة الثانية المخصصة لبحث الموازنة وتتخذ الحكومة مقررات هامة حول آليات معالجة هذه الأزمة.
ترفع تيارات أخرى شعار السيادة وضبط السلاح المتفلت، ولا تحرك ساكنا امام هول ما يجري في مخيم عين الحلوة من حرب فعلية بالأسلحة الرشاشة والقذائف الصاروخية بل تكتفي بالشكوى والنعي والاتهامات، وتمعن في التحريض وفي شحن النفوس وإثارة الغرائز، بشكل يسعّر من الأزمة ويهدد بفلتان أكبر.
في التيار الوطني الحر توجد حالة من التخبط وصولا الى إنعدام الوزن، حيث يرحب رئيسه جبران باسيل بالحوار الذي دعا اليه الرئيس نبيه بري حتى يكاد ينظّر له، ثم يضع شروطا للمشاركة، ثم يتراجع عنها على وقع تقدم الحوار مع حزب الله، ثم يأخذه الحضور البرتقالي الحاشد في البترون فينقلب على كل مواقفه لا سيما تأييد مبادرة بري، وإمكانية السير برئيس تيار المردة سليمان فرنجية مقابل الحصول على المطالب التي قدمها مكتوبة الى حزب الله، لتصل آثار هذا الانقلاب الى نوابه حيث أكد آلان عون أن إنتخاب فرنجية لم يعد مستحيلا، ليرد عليه جورج عطالله بأن إنتخاب فرنجية ما زال مستحيلا.
في القوات اللبنانية عرض عضلات وعنتريات، ورفع سقوف من دون تقديم أي مبادرة للحل أو أي فكرة للتلاقي أو أي مشروع للتوافق، بل رفض لكل أنواع الحلول والمبادرات والحوار، بإنتظار بعض الاتصالات التي يبدو أن أحدها خفف من اللهجة القواتية على لسان أحد نوابها حول إمكانية المشاركة في الحوار مع المبعوث الفرنسي جان إيف لودريان الذي وصل الى لبنان أمس، ويبدأ جولته على القيادات السياسية إعتبارا من صباح اليوم.
يمكن القول، إنه لا يوجد عاقل يمكن أن يرفض دعوة الرئيس نبيه بري أو دعوة جان إيف لودريان الى الحوار، خصوصا أن الثاني إقتنع بأهمية هذا الحوار بعد لقائه مع الأول، في زيارته الأولى حيث شرح له بري واقع التوازنات والحساسيات اللبنانية، ولا شك في أن مبادرة رئيس المجلس تتكامل اليوم مع مهمة لودريان لا بل تعطيها دفعا خصوصا أنها تصب في مصلحة إنهاء الشغور وإنتخاب رئيس للجمهورية يعيد إنتظام الحياة السياسية والادارية في البلاد.
أمام مشهد المعارك الدائرة في مخيم عين الحلوة والتي بدأت تتوسع قنصا باتجاه صيدا، وأمام مخاطر النزوح السوري الثاني الذي يجتاح لبنان وما يرافقه من تقارير مخيفة عن مشاريع توطين، تبدو التيارات السياسية أمام خيارين، فإما النزول عن شجرة المواقف والركون الى الحوار الذي أعطاه الرئيس بري عنوانا متوازنا بأن “لا لفرض رئيس ولا لفيتو على رئيس” أو المشاركة عن قصد أو عن غير قصد في المؤامرة التي تحاك ضد لبنان والتي في حال سارت كما هو مرسوم لها، فإن الأمور ستتفلت من عقالها وعندها ليت ساعة مندم!..
Related Posts