كما كان متوقعاً للمطلعين على تفاصيل وخلفيات سياسة الإتحاد الأوروبي تجاه لبنان والمنطقة، فقد إتخذ البرلمان الأوروبي يوم أول من أمس الأربعاء قراراً يقضي بدعم إبقاء النّازحين السّوريين في لبنان، وبأغلبية ساحقة، ما أثار ردود فعل واسعة ومتوقعة في لبنان رافضة هذا القرار، برغم أنّه غير ملزم، إنّما من غير أن يتزامن هذا الرفض اللبناني للقرار الأوروبي والإعتراض عليه ومواجهته أيّ خطوات عملانية ملموسة.
وكان واضحاً أنّ القرار الأوروبي نبع بالدرجة الأولى من مخاوف أن تؤدّي دعوة النّازحين السّوريين للعودة إلى بلادهم، أو إجبارهم على هذه العودة، في فتح باب الهجرة واسعاً أمام أكثر من مليوني نازح سوري مقيم في لبنان، إضافة إلى ما يقاربهم عدداً من لبنانيين وفلسطينيين ومن جنسيات اخرى، للنزوح على شكل موجات متلاحقة بحراً وبطريقة غير شرعية، نحو الدول الأوروبية، ما من شأنه أن يحدث أزمات واسعة في هذه الدول تسعى بكل السبل لإبعادها عنها أو التخفيف منها، ولو على حساب النّازحين أنفسهم والدول المستضيفة لهم.
ومع أنّ نوّاباً أوروبيين إعترضوا على القرار الذي اتهم اللبنانيين بشكل غير مباشر بكراهية الأجانب، والسّماح لخطاب مناهضة النّازحين بالإزدهار، فإنّ شبه الإجماع الذي حظي به القرار يعكس حرص الأوروبيين على حماية القارة العجوز من خلال إبعاد كأس الهجرة غير الشرعية إليها، ولو كان ذلك على حساب دول أخرى كلبنان، وأكّد الإنطباع السّائد أوروبياً عن لبنان، قديماً وحاضراً، من أنّ النظرة إليه والتعامل معه ينطلق من زاوية أمنية ومصالح أوروبا قبل أيّ اعتبار آخر، من غير أن توجه الأطراف المحلية إنتقادات تتهم الأوربيين بخرق سيادات الدول، والكيل بمكيالين تجاه النّازحين. ولعلّ نظرة الأوروبيين القائمة على العنصرية والتفرقة بين النازحين من أوكرانيا والنّازحين من سوريا وغيرها أكبر عبرة.
غير أنّ شبه الإجماع اللبناني على رفض القرار الأوروبي، يبدو خجولاً وفولكلورياً أكثر منه عملانياً، ولن يُقدّم ولن يُؤخّر، لأسباب عدّة أبرزها:
أولاً: منذ بداية النّزوح السّوري قبل نحو 12 عاماً، مع بداية الأحداث هناك، لم تُكلّف الحكومات اللبنانية المتعاقبة نفسها التواصل مع الحكومة السّورية لمعالجة المشكلة أو التعاون من أجل تخفيفها، نتيجة ضغوطات خارجية تمارس عليها. حتّى أنّ الوفد المرتقب زيارته إلى سوريا بهذا الخصوص والذي جرى الإعلان عنه قبل مدة، لم يتم تشكيله ولا التباحث في شأنه.
ثانياً: لم تستطع الحكومات اللبنانية الحصول من المفوضية العليا للنّازحين السّوريين على داتا المعلومات المتوافرة لديها بخصوصهم، برغم إنذارها وإعطائها مهلاً زمنية، إذ اشترطت المفوضية حصول النّازحين على إقامات عمل دائمة، وشروطاً أخرى تبدو وكأنّها خطوات تمهّد لتوطينهم.
ثالثاً: مع أنّ نحو 8 مليارات دولار تدخل إلى لبنان سنوياً وتصبّ في خزانة المفوضية العليا للنّازحين، من غير أن يسمح للحكومة اللبنانية التدخل بها بشكل يعتبر خرقاً فاضحاً لسيادة البلد، فإنّ تهديدات أوروبية وصلت إلى مسؤولين لبنانيين تفيد أنّه إذا لم يلتزم لبنان سياسية الإتحاد الأوربي تجاه النّازحين ـ وهي للمناسبة سياسة عنصرية ـ فإنّ هذه المساعدات ستتوقف، وستقطع أيّ مساعدات عن النّازحين، كما حال الأردن الذي ستتوقف المساعدات عن النّازحين السوريين المقيمين فيه إبتداءً من الأوّل من شهر آب المقبل، ما سيفاقم المعاناة على الطرفين معاً.
Related Posts