في عظته التي ألقاها أمس الأحد في الصرح البطريركي الصيفي في الديمان، تراجع البطريرك الماروني بشارة الراعي خطوة إلى الوراء، مقارنة بمواقفه التي أطلقها يوم الإثنين الماضي، 3 تمّوز الجاري، خلال الكلمة التي ألقاها يومها خلال جنازة القتيلين هيثم ومالك طوق اللذين سقطا في إشكالات وقعت الأوّل من تمّوز الجاري في منطقة القرنة السّوداء، وهي مواقف لقيت إعتراضاً وانتقادات واسعة وُجّهت إلى غبطته.
فقبل أسبوع، وخلال حشد شعبي وسياسي، رفع الراعي سقف مواقفه عالياً، وأطلق تصريحات شعبوية، ربما لإرضاء البعض في الشّارع وفي السّياسية، لم يكن يفترض بمن في موقعه أن يطلقها، عندما اختصر ما حصل بقوله إنّ “القاتل معروف وحدودنا معروفة”، مستبقاً بذلك التحقيقات التي يجريها الجيش اللبناني والقضاء لكشف ملابسات الجريمة، ومستبقاً أيضاً الإجراءات وعمليات المسح التي تقوم بها جهات رسمية، بطلب من أطراف معينة، لترسيم الحدود نهائياً بين الضنّية وبشرّي، ووضع حدّ للنزاع بين المنطقتين على القرنة السّوداء والمشاعات المحيطة بها ومصادر المياه.
لكنّه أمس قال إنّه “بالتعاون مع أهالي بشري وعائلتي الضحيتين نحافظ على الهدوء والإستقرار بانتظار أن يقول القضاء كلمته”، مؤكّداً أنّه “كلّنا نلتزم قراره، لأنّنا جميعنا نحترم الدولة ومؤسّساتها، ولا سيما القضاء والجيش وسائر الأجهزة الأمنيّة، لأنّها وحدها تسهر على سلامة جميع المواطنين دونما تمييز”.
هذا الكلام الذي كان يُفترض أن يقوله الراعي وقت وقوع الجريمة، وتأخّر في قوله، لقي مع ذلك ترحيباً لأنّه أعاد الأمور إلى نصابها الطبيعي، وجعل الجميع يقفون أمام حقيقة واضحة هي أنّ الدولة يفترض أن تكون مرجع الجميع في معالجة الإشكالات وحلّ الخلافات، وإلّا فإنّ الجميع سيذهب إلى شريعة الغاب التي لن تجعل أحداً منهم رابحاً.
غير أنّ تراجع الراعي خطوة بما يتعلق بالإشكال الأخير في القرنة السّوداء، لم يقابله تراجعه خطوة أخرى مماثلة مرتبط بالنزاع حول القرنة السّوداء، إذ أصرّ على الوقوف خلف بشري بادعائها أنّ ملكية القرنة السّوداء تعود لها، إستناداً إلى قرار صادر عن القاضي العقاري في الشّمال سنة 1919، أيّ قبل إعلان دولة لبنان الكبير بحدوده الحالية بسنة واحدة.
كلام الراعي بهذا الخصوص يلزمه توضيح عدد من النقاط، أبرزها:
أولاً: توضح خريطة متصرفية جبل لبنان قبل إعلان دولة لبنان الكبير أنّ القرنة السّوداء كانت خارجها وخارج بشري.
ثانياً: خلص أمين السجل العقاري في 12 / 8 / 2014 نتيجة مسح لمنطقة قام بها بناءً على طلب محافظ الشمال، إلى أنّ القرنة السّوداء “تقع ضمن منطقة الضنّية، في منطقة غير ممسوحة من منطقة بقاعصفرين” (خلاصة التقرير ربطا).
ثالثاً: يؤكّد المؤرخ المعروف عصام خليفة، بالوثائق وكتب التعليم الرسمية، أنّه “بالنسبة إلى الضنّية، فقد درسنا في الصف السّابع أيّام السرتيفيكا التي كنّا نقدم لها إمتحاناً رسمياً بالعربية وآخر بالفرنسية، ونعتز بشهادتها للإنتقال إلى المرحلة التكميلية والبريفيه، أنّ القرنة السّوداء، أعلى قمة في لبنان، تقع في منطقة الضنية، ولم نكن نسمع حينذاك إعتراضات على ما كُتب”.
Related Posts