لم يكن تحرير جنوب لبنان في 25 أيار 2000 ليحصل لولا شلال الدم الهادر على مساحة الوطن، من أقصى الشمال والبقاع الى أقصى الجنوب، فللفيحاء طرابلس وجارتها الشمالية عكار حكاية مع المقاومة بدأت أولى فصولها مع احتلال فلسطين عام 1948، فكان أن خرّجت مقاومين أشداء منهم ابن بلدة بحنين ـ المنية الطرابلسية يحيى سكاف، الذي شارك في آذار من العام 1978 مع اثني عشر مناضلاً بتنفيذ عملية الشهيد كمال عدوان بقيادة الشهيدة دلال المغربي، حينما تمكنوا من التسلل عن طريق البحر الى داخل فلسطين المحتلة وسطروا في “نهاريا” أروع ملاحم البطولة.
حتى يومنا هذا مر 45 عامًا على أسر البطل يحي سكاف، والعدو الاسرائيلي يصر على اخفائه وينكر أي وجود له في سجونه، لكن رغم غيابه جسدًا الا أنه لا يزال حاضرًا نهجًا وروحًا، منذ افتتح باكورة العمليات المقاومة التي روت أرض فلسطين وجنوب لبنان، مؤسسًا بذلك لجيل من المقاومين الذين برزت أسماؤهم في ثمانينات القرن الماضي، ممن تسابقوا لتنفيذ عمليات ضد العدو الصهيوني، منهم تسعة شهداء لجبهة المقاومة الوطنية من أبناء بوابة عكار العبدة – ببنين الى قرية المشيرفة عند الحدود السورية.
بين عبق الريحان والعيشية في جزين وتلة أبو قمحة في حاصبيا وأرنون تشتم رائحة شهداء شمال لبنان الذين تناثرت أجسادهم على ثرى الجنوب، من ابن بلدة حلبا العكارية وائل نعيم الذي استشهد عام 1987 بعمر سبعة عشر عامًا واستعاد حزب الله جثمانه في عملية تبادل أسرى بعد تسع سنوات من استشهاده عام 1996، الى رفيقه ابن برقايل العكارية محمد السايس الذي استشهد عن عمر 18 سنة عام 1988، الى استشهاد أبطال عملية تدمير إذاعة لحد عام 1985 ابن الميناء في طرابلس حسام حجازي مع رفيقيه إلياس حرب من تنورين وميشال صليبا من بتغرين، ومن ثم استشهاد ابن بلدة القنطرة الشهيد محمد عبيد (28 عاماً) في العيشية عام 1989 .
تطول قائمة شهداء طرابلس وعكار الذين رووا ارض جنوب لبنان بدمائهم، فيبرز منهم فارس الشمال إبن تكريت العكارية علي غازي طالب الذي استشهد في أرنون بتاريخ 31 تموز 1985، وعروس الشمال الشهيدة نورما أبي حسان إبنة القبة طرابلس وإيطو زغرتا، والتي استشهدت في 17 تموز 1986 عن عمر 26 عامًا في عملية عند ظهر الرملة في جزين، وأيضًا إبنة بلدة الحيصة العكارية شهيدة الحزب القومي السوري الاجتماعي فدوى غانم التي نفذت عملية بطولية ضد دورية لجيش الاحتلال الصهيوني بتاريخ 25 تشرين الثاني 1990 في منطقة أرنون عن طريق تفجير حقيبة مملوءة بالمتفجرات كانت تحملها مما أدى استشهادها ومقتل أفراد الدورية البالغ عددهم 12 عنصراَ.
تسير قافلة الشهداء، وتطول لائحة سجلهم الذهبي التي حملت أسماء كثيرة، منها الشهيد علي هزيم وحسام علي، ومخاييل إبراهيم، وإيلي حداد. دون أن ننسى أيضًا الشهيدان العكاريين ابن قبعيت سمير قطلب وابن بلدة حرار محمد عنتر اللذان سقطا في الميناء على رأس الصخر في طرابلس أثناء التصدي لإنزال عسكري إسرائيلي على الشواطئ، وكذلك الشهيدين العكاريين نبيل حرب وغابي حداد اللذين ارتقيا في مواجهة قوات الاحتلال المتقدمة من صيدا إلى كلية العلوم ولم يعثر يومها على جثتيهما.
لم يكن عرس التحرير عام 2000 عرسًا وطنيًا فحسب بل كان تجسيدًا حقيقيًا لشلال الدم المتدفق من شمال لبنان والذي إمتزج مع دماء شهداء بيروت والبقاع والجنوب، فكانت عكار وطرابلس شريكتان اساسيتان في هذا العرس الذي أوقد شعلة النصر في لبنان، ورسم الفرحة على وجوه أمهات الشهداء، اللواتي زغردن وبكين فرحًا حين رأين تضحيات ودماء أبنائهم الشهداء المغروسة في أرض الجنوب قد نضجت وأثمرت نصرًا مبينًا، ورسمت للأجيال القادمة معالم المستقبل القادم والموعود في فلسطين المحتلة.
Related Posts