عندما أعلنت السّعودية وإيران، في 10 آذار الجاري، إعادة العلاقات الديبلوماسية بينهما برعاية الصّين التي حضنت لقاء بين الطرفين في العاصمة بكين، في تطوّر بالغ الأهمية أحدث إنقلاباً في المنطقة وفتح أمامها أبوابا كانت موصدة، إلى حدّ بأنّ البعض ظنّ بأنّ “جدران” الخلافات المرتفعة بين البلدين يستحيل القفز فوقها، ترك تقارب الرياض وطهران على النحو المُشار إليه، بعد قطع البلدين العلاقات بينهما نحو عقد من الزمن، تفاوتاً في النظر إليه والتعامل معه في لبنان بين الفرقاء كافّة.
وقبل أن “يهضم” اللبنانيون على اختلاف توجّهاتهم “تطبيع” السّعودية وإيران العلاقات بينهما، سجّلت السّاحة الديبلوماسية تطوّراً آخر في السياق نفسه، عندما تسرّبت مواقف ومعلومات، تلتها مواقف، من سوريا والسّعودية، تفيد أنّ البلدين في طريقهما نحو إعادة العلاقات الديبلوماسية بينهما، بعد قطيعة إستمرت أكثر من 10 سنوات، وإعادة فتح الممثليات والحدود بينهما، تمهيداً لزيارة سيقوم بها وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان إلى دمشق، بعد عيد الفطر، وفق توقعات، تسبق إعادة العلاقات بينهما بشكل رسمي، وفتح سفارتي البلدين في دمشق والرياض.
وكالعادة، كثرت التحليلات والتعليقات والمواقف في لبنان حول التطورين. إذ ذهب البعض في هذه التحليلات إلى حدّ الإدعاء أنّ الملف اللبناني قد وُضع طاولة العواصم الثلاث: الرياض ودمشق وطهران، وهي الأكثر تأثيراً فيه، وأنّ تفاهماً ما أو تسوية معينة سوف تبصر النّور قريباً لإخراج البلد من أزماته، وعلى رأسها الفراغ في موقع رئاسة الجمهورية والأزمة الإقتصادية والمالية التي يعانيها، والتي تسبّبت بانهيار غير مسبوق في سعر صرف الليرة اللبنانية، وفي تدهور واسع النطاق لمعيشة اللبنانيين، وجعل مصير البلد ومستقبله على كفّ عفريت.
لكنّ هذه التحليلات والمواقف التي حاول أصحابها إعطاء بلدهم وأنفسهم حجماً أكبر بكثير من حجمهم الطبيعي، وأنّ الكون يدور حولهم، وأنّ المسؤولين في المنطقة والعالم لا يغمض لهم عين ولا يهنأ لهم بال قبل معالجة أزمات لبنان، ليست في الحقيقة أكثر من أمنيات وأوهام.
والمفارقة أنّ الأطراف المتخاصمة في لبنان صوّرت وتخيّلت أنّ ما حصل من تقارب بين السّعودية وإيران من جهة، وبين السّعودية وسوريا من جهة أخرى، حسب أهوائه وميوله السّياسية ومصالحه الضيقة، وليس وفق إستراتيجيات ومصالح هذه الدول، التي تبين من تصريحات بعض مسؤوليها وتلميحاتهم بأنّ لها أولويات أخرى، ومصالح تتقدم على مصلحة لبنان وشعبه، وأنّ بلد الأرز سوف ينتظر طويلاً إلى أن يحين دوره على طاولة التسويات.
Related Posts