عاد قاضي التحقيق في ملف تفجير مرفأ بيروت طارق البيطار بزخم وبشكل مدوٍ الى متابعة ملفه بعدعام وشهر على كفّ يده متجاوزاً بشكل لافت كل الاجراءات القانونية التي ادت الى كف يده ووقف التحقيق، حيث اصدر قراراً وسرّبه الى وسائل الاعلام، بعد دراسة طلبات إخلاءات السبيل، بإخلاء سبيل 5 موقوفين في ملف المرفأ من أصل 17، من دون كفالة، مع منعهم من السفر، فيما يستعد للإدعاء على مجموعة من الشخصيات السياسية والأمنية للتحقيق معها بينها اللواء عباس إبراهيم واللوء طوني صليبا، وافيد انه تم إرسال التبليغات إلى النيابة العامة التمييزية، ليتم طلبها إلى التحقيق الأسبوع المقبل.
وكتبت” النهار”: حدث قضائي نادر شكلته عودة بيطار متسلحا باجتهاد قانوني “مبكل” من دون امكان تجاوز الافتراض الذي يربط توقيت عودة بيطار الى مهمته بقوة هذا الاجتهاد بعد أيام قليلة من زيارة الوفد القضائي الفرنسي للمحقق العدلي نهاية الأسبوع الماضي، مع ان بيطار رفض تزويد الوفد أي مستند او أي معطيات واي ورقة من ملف التحقيقات التي سبق له ان اجراها في ملف انفجار المرفأ قبل محاصرته وتجميد مهمته. لكنه البارحة استعاد المبادرة متسلحا باجتهاد قانوني فاجأ الجسم القضائي والحقوقي والسياسي في الشكل والمضمون، بحيث اعتبر أنّ المجلس العدلي هيئة مستقلة موازية للهيئة العامة لمحكمة التمييز، وأي قرار ينصّ على تنحية المحقق العدلي هو إلغاء لموقع تمّ إنشاؤه بموجب مرسوم وزاري. ولا يحتاج المحقق العدلي إلى إذن لملاحقة المدعى عليهم، لكونه أساساً مفوضاً للقيام بهذه المهمة.
وفي وقت عُلم ان المحقق العدلي كان شارف على إنهاء القرار الاتهامي في هذه الجريمة وقدّر أنه بلغ حتى الآن 540 صفحة، وتبقّى من 120 صفحة إلى 150 صفحة لإنجازه، اشارت المعلومات الاولية الى ان النيابة العامة التمييزيّة ستتعاطى مع القرار الصادر عن القاضي البيطار “وكأنّه منعدم الوجود” ما يعني أنّها لن تنفّذ قرار إخلاء السبيل ولا قرار الادّعاء. وعلى الاثر، احال وزير العدل هنري خوري نسخة من مقتطفات قرار المحقق العدلي الى مجلس القضاء الاعلى.
وفي أول رد فعل، أفاد مصدر قضائي رفيع “النهار” أن النيابة العامة التمييزية لم تطلّع بعد على قرار القاضي بيطار لجهة معاودة العمل وتقريره تخلية خمسة موقوفين. وأشار الى أنه في تاريخ العدلية لم يحصل ذلك في إشارة الى القرار الصادر عن القاضي بيطار. وأضاف إن “قرار المحقق العدلي هو قرار جديد ولكن هذا لا يعني أنه قرار صحيح”. فإذا اعتبرنا أن المحقق “العدلي لا يُنحى، فكذلك النيابة العامة التمييزية لا تنحى ولا تجيّر صلاحياتها، في إشارة الى عدم إبداء النيابة العامة العدلية رأيها في طلبات التخلية “.
ولفتت مصادر قضائيّة الى انه إذا لم تنفّذ النيابة العامة التمييزية قرارات المحقق العدلي فهذا يعني أنّها تحجز مواطنين من دون مسوغ قانوني وهذا جرم جزائيّ دوليّ يُعاقب عليه القانون الدولي. وأضافت: كان الحري بوزير العدل والنيابة العامة أن يتحرّكا عندما أُجريت مقابلات مباشرة على الهواء مع موقوفين في الملف من داخل زنزاناتهم فهذا ما يُعرّض سرية التحقيق للخرق والتّجاوز، فلمَ لم يعاقب القاضي يومها لخرقه السرية؟ وأكدت المصادر أن قرار بيطار الذي نشر وفنّد فيه المواد التي ارتكز عليها ليس تسريباً ولا يتعلّق بسرية التحقيق بل يتعلّق بقرار اتّخذه القاضي ويشرح لماذا اتّخذه، هذا رأي قانوني وليس تسريباً للتحقيق .
وكتبت “نداء الوطن”: أثبت القاضي طارق البيطار أنه رجل قانون في زمن لبناني عزّ فيه رجال القانون وسادت فيه شريعة الغاب والتفلّت من العقاب… فبلغت جرأته المشهودة، منذ تسلّمه ملف التحقيق العدلي في قضية تفجير مرفأ بيروت، مداها أمس في قلب الطاولة رأساً على عقب في وجه “منظومة النيترات” ومعرقلي التحقيق، حين باغت أرباب المنظومة السياسية وأذرعها التنفيذية القضائية والأمنية، بدراسة قانونية “مُحكمة الإعداد” كسر من خلالها قيود “القبع” التي كبّلته وكفّت يديه على مدى أكثر من عام، مستعيداً زمام المبادرة بسلسلة قرارات وادعاءات أعادت للقضاء هيبته وللتحقيق العدلي مكانته.فبالاستناد إلى قرار معلّل واجتهاد صادر عن رئيس المجلس العدلي الأسبق القاضي الراحل فيليب خير الله، قضى القاضي البيطار بأن المحقق العدلي يعلو ولا يُعلى عليه ولا تملك أي جهة سلطة ردّه أو تنحيته أو استبداله أو مداعاته، باعتباره من جهة يحتلّ مركزاً “لصيقاً بشخصه وأي قرار قضائي بنتحيته ينطوي حتماً على إلغاء هذا المركز”، ومن جهة أخرى “من غير الممكن تقديم طلبات نقل دعوى بوجهه” ربطاً بكونه “مكلفاً اسمياً بموجب قرار تعيينه في قضية محددة… ولا يوجد أي مرجع آخر قائم أو موازٍ له يمكنه أن يتابع التحقيقات في حال تقرر النقل”.
وخلصت الدراسة التي أعدها البيطار “بحسب النصّ الذي جرى إدراجه عن دراية في النصوص المتعلقة بالمجلس العدلي”، إلى التأكيد على أنّ هذا النص “أعطى المحقق العدلي سلطة موازية لسلطة الملاحقة المناطة حصراً أمام المجلس العدلي بمدعي عام التمييز”، ما يجعله بالتالي “بغنى عن الحصول على أي إذن بالملاحقة أسوةً بمدعي عام التمييز كما يغدو بمقدوره دعوة القضاة أمامه لاستجوابهم بصفة مدعى عليهم وإحالتهم إلى المجلس العدلي في حال جرى اتهامهم” بوصفها “هيئة موازية من حيث الأهمية للهيئة العامة التمييزية”.
وبناءً عليه، قرر البيطار استئناف تحقيقاته في ملف انفجار المرفأ فادعى على 8 أشخاص جدد يتقدمهم المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم الذي رفض التعليق على الادعاء بانتظار تبلغه رسمياً، والمدير العام لأمن الدولة اللواء طوني صليبا، وأخلى سبيل 5 موقوفين هم السوري أحمد الرجبي ومتعهد الأشغال في المرفأ سليم شبلي ومدير المشاريع ميشال نخول والمدير العام السابق للجمارك شفيق مرعي ومدير العمليات السابق سامي الحسين، مقابل رد سائر طلبات إخلاء السبيل المقدمة أمامه بما يشمل طلب مدير عام الجمارك الموقوف بدري ضاهر، الذي نُقل عن وكلائه أمس نيتهم الادعاء على المحقق العدلي بتهمة “التعسف في إبقاء بقية الموقوفين قيد الاحتجاز بعد تأكيد صلاحيته في البتّ بطلبات الإخلاء”.
وتوازياً كشفت مصادر مواكبة للقضية عن معلومات تفيد بأنّ “ماكينة السلطة انكبت خلال الساعات الماضية على إعداد العدة لشن هجمة مضادة على البيطار تعيد إبطال قراراته”، غامزةً بدايةً من قناتي وزارة العدل والنيابة العامة التمييزية التي يُنتظر أن تحدد موقفها حيال دراسة البيطار القانونية وقرارات إخلاء السبيل والادعاء التي سطّرها بموجبها، بينما أحال وزير العدل هنري الخوري ما تضمنته الدراسة إلى مجلس القضاء الأعلى بذريعة إمكانية أن تؤثر “على مجريات الملف وحسن سير العدالة والمحافظة على سرية التحقيق” بالتزامن مع تسريب معطيات تتهم المحقق العدلي بتجاوز الصلاحيات الممنوحة له في القضية، وذلك من دون أن تغفل المصادر “تعاظم المحاذير السياسية والقضائية والأمنية التي أصبحت تحيط بالقاضي البيطار بعدما “فتح نار جهنّم عليه” جراء قراره استئناف التحقيقات في جريمة المرفأ”.
وكتبت” البناء”: بعد تحضير شارك فيه قضاة فرنسيون أقدم المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت على خطوة انقلابية أعلن فيها نفسه قاضي قضاة الدولة اللبنانية، لا يحد سلطته سلطان ولا نص ولا مرجع، لا يحتاج إذناً ولا يقبل مراجعة ولا رد، لا يعترف بالنيابة العامة ولا بمحكمة التمييز ولا سلطان لمجلس القضاء الأعلى عليه، وأصدر بموجب هذا الإعلان “الإلهي” مجموعة قرارات إخلاء سبيل وادعاءات على شخصيات أمنية وعسكرية عرف منها مدير عام أمن الدولة اللواء أنطوان صليبا ومدير عام الأمن العام اللواء عباس ابراهيم، وقائد الجيش السابق جان قهوجي، ووجّه الاستدعاءات لمباشرة الاستجوابات بناء عليها الأسبوع المقبل”.
وقال رئيس مؤسسة «جوستيسيا» الحقوقية الخبير القانوني الدكتور بول مرقص لـ ««اللواء»: ان قرار البيطار سابقة لم تحصل فلا توجد اجتهادات نبني عليها، لا سيما في موضوع المحقق العدلي تحديداً. ولو استعان بإجتهاد للقاضي فيليب خير الله تبقى سابقة إذ اعتبر نفسه كمحقق عدلي غير قابل للرد ولا تسري عليه الكثير من الاجراءات التي تحول عادة دون نظرالقاضي بملفه. لذلك نقول انها سابقة لكن القاضي بيطار مارسها.
اما بالنسبة لموقف النيابة العامة فلا زالت غير معروفة بشكل رسمي برغم ما رشح من الاعلام انها لن تتجاوب.
وعن الموقف المرتقب من مجلس القضاء الاعلى بعدإحالة وزير العدل قرار البيطار اليه؟ فقال مرقص: مجلس القضاء الاعلى لا دور بالموضوع لأنه مرجع قضائي اداري وليس مرجعا قضائياً عدلياً. بمعنى انه ليس مرجعاً ينظر في قرارات واجراءات المحقق العدلي.
وتوقّعت مصادر قضائية أن «تتجاهل النيابة العامة التمييزية قرارات البيطار وترفض تنفيذها، كونها مخالفة للقانون، ولا يجوز لقاضٍ مطلوب تنحيته، أن يتفرّد باجتهاد قانوني ويبرر لنفسه العودة»، ما يوحي بحصول اشتباك قانوني وقضائي معها.
إلا أن مصادر مقربة من المحقق العدلي أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن البيطار «لن يتأثر برفض النيابة العامة لقراراته، وعندها سيلجأ إلى إبلاغ المدعى عليهم لصقاً، وفي حال لم يحضروا فسيصدر مذكرات توقيف غيابية بحقهم».
وأوضحت أنه «في حال رفضت النيابة العامة تبليغ المدعى عليهم، فعندها يستطيع المحقق العدلي إبلاغهم لصقاً، وبعدها قد يذهب إلى إصدار مذكرات توقيف غيابية بحقهم».
ولفتت إلى أن البيطار «قطع شوطاً كبيراً في إعداد مسودة القرار الاتهامي خلال ملازمته منزله طيلة فترة تعليق عمله». وأشارت إلى أنه حتى الآن 540 صفحة من القرار الذي سيكون بحدود 650 أو 700 صفحة تفنّد فيها حقيقة انفجار المرفأ وأسبابه والمسؤولين عن هذه الجريمة.
Related Posts