من يستمع الى رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، يكاد يعتقد أن الحرب قد قامت وأن أحد أبرز أهدافها هو إستهداف المسيحيين بضرب الشراكة معهم ومصادرة صلاحياتهم والاعتداء على مقام رئيس الجمهورية، في وقت لا أحد في لبنان يعيش في هذا “الخيال الواسع” سوى باسيل نفسه الذي يعمل على “تكبير حجر” إنعقاد جلسة مجلس الوزراء لاقرار الاعتمادات المالية اللازمة لمعالجة أزمة الكهرباء الى حدود ضرب الشراكة الوطنية التي يتهم كثيرون باسيل بأنه “لا يراها قائمة إلا عندما تكون مصالحه مؤمّنة”..
يمضي جبران باسيل في رفع السقوف من دون أن يستطيع تبديل المشهد القائم الذي تشكل تلبية حاجات المواطنين وتأمين أبسط مقومات معيشتهم العنوان الأبرز له، ففي الوقت الذي تتجه فيه كل التيارات والأحزاب المتوافقة على ضرورة إجتماع الحكومة نحو معالجة الهم المعيشي، يتجه باسيل نحو التحريض السياسي والشحن الطائفي والتهديد بالذهاب بعيدا في ضرب التوازنات والتفاهمات، وذلك في رسالة جديدة الى حزب الله الذي ينسجم مع نفسه ويقرن القول بالفعل لجهة أن تصب مشاركته في إجتماع الحكومة في مصلحة الناس فقط.
اللافت، أن باسيل يُمعن في تهديد حزب الله بضرب “تفاهم مار مخايل” نتيجة ما يسميه “عدم الحفاظ على الشراكة الوطنية وعدم إحترام الميثاقية” إنطلاقا من مشاركة وزراءه في إجتماع الحكومة، لكن الحزب ما يزال يدير لباسيل “الأذن الطرشاء” ويحرص على عدم إتخاذ أي قرار أو خطوات أو ردود فعل بشأن “التفاهم”، مكتفيا بما شدد عليه السيد حسن نصرالله في خطاب سابق بأننا “لا ننزع يدنا من يد حليفنا إلا إذا بادر هو لنزعها”، وحتى الآن لم يُقدم باسيل على هذه الخطوة السلبية ما يعني أن حزب الله على عهده في الحفاظ على “التفاهم”، ما يجعل التهديدات “لزوم ما لا يلزم” طالما لا يوجد أية ترجمة عملية لها.
ولعل ما قاله السيد نصرالله في خطاب الأمس قد وضع النقاط على الحروف لجهة مشاركة وزراء الحزب في جلسة مجلس الوزراء اليوم، حيث أكد أن “رأي خبرائنا وعلمائنا يوافق رأي الخبراء الدستوريين المسلمين والمسيحيين الذين يقولون بجواز إنعقاد إجتماعات حكومة تصريف الأعمال لاتخاذ القرارات بالقضايا الضرورية”، لافتا الى أن مرضى السرطان وغسيل الكلى والمستشفيات كلها أمور ملحة وكذلك أزمة الكهرباء والبواخر الراسية في البحر والتي تدفع الخزينة لها غرامات يومية وصلت الى حدود المليون دولار”، مشددا على أن الحزب بمشاركته “يقوم بتلبية مصالح الناس، ولا يوجه رسائل سياسية ولا يضرب الشراكة الوطنية، ولا يطعن بالميثاقية التي تعتبر مؤمنة خصوصا بعدما وافقت مراجع دينية وقوى سياسية رئيس الحكومة على عقد الجلسة”.
كلام السيد نصرالله شكل رسالة واضحة لباسيل بأن حاجات اللبنانيين والهموم المعيشية أهم من كل المصالح السياسية، وأن لا إمكانية لتلبيتها إلا من خلال إجتماع مجلس الوزراء بعدما رفض الجميع كل الطروحات الأخرى باعتبارها غير دستورية.
يمكن القول، إن أي معركة يمكن أن يخوضها باسيل في وجه مطالب الناس بشعارات سياسية وطائفية ستكون خاسرة الآن ولاحقا، ويبدو أنه بات وحيدا من دون غطاء بعدما أعلنت قوى مسيحية موافقتها على عقد جلسة الحكومة، وإجتمع الخصوم والحلفاء على ضرورة المشاركة فيها، الأمر الذي سحب كل الذرائع التي يمكن أن يتخذ منها باسيل منصة للهجوم، وأعطى صورة واضحة عن تبدل في النفوذ السياسي، خصوصا أن زمن أول قد تحوّل!..
Related Posts