احتفالات رأس السّنة تكشف المستور: أقلية مترفة وأكثرية معدمة!… عبدالكافي الصمد

مشهدان لافتان خيّما على احتفالات اللبنانيين ليلة رأس السنة، مساء يوم السّبت الماضي، أضاءا على تناقضات كبيرة يضجّ بها المجتمع اللبناني، بكل تلاوينه واختلافاته، وكشفت عن فوارق إجتماعية ومادية واسعة، وهوّة كبيرة بين فئات اللبنانيين المتعددة لا يمكن ردمها بسهولة.

ففي السّاعات الأخيرة من العام المنقضي، 2022، كانت مناطق لبنانية معينة تعيش “فورة” احتفالات صاخبة بنهاية عام ومجيء آخر، بعدما تحوّلت الطرقات والشّوارع فيها إلى مواقف للسيارات بسبب الإزدحام نتيجة خروج اللبنانيين من بيوتهم ذاهبين نحو الإحتفال بتلك الليلة في مطعم ما أو في منتجع ومقصف معين، غير آبهين بالأسعار المرتفعة لتكاليف تلك الليلة، التي ازدهرت فيها الحركة التجارية في أسواق تلك المناطق على نحو لافت، وكأنّ البلد لا يعاني من أزمات ومشاكل معيشية وإقتصادية خانقة.

بالمقابل، كانت مناطق أخرى تغرق في سبات عميق وغابت الإحتفالات وعانت الأسواق فيها من شلل وكأنّ المناسبة لا تعنيها، إذ استمر الركود على حاله وحركة البيع والشّراء بقيت على جمودها، ما دفع أغلبية أهالي هذه المناطق إلى الإحتفال بالعام الجديد بشكل خجول وعلى نحو ضيّق ضمن الإمكانات المادية المتاحة، أو اضطروا تحت ضغط الأزمة المعيشية إلى إلغاء الإحتفال من أصله.

هذا الفارق في المشهدين بين مناطق لبنانية مختلفة لا يعود إلى اختلافات في انتماءات دينية وطائفية أو إجتماعية، برغم تأثير مثل هذه الفوارق نسبياً والتي لا يمكن إنكارها، إلا أنّ الفارق الأساسي كان نتيجة الأزمة المعيشية والإقتصادية الخانقة التي يرزح تحتها السّواد الأعظم من اللبنانيين على اختلاف إنتماءاتهم الدينية والطائفية والمذهبية، إذ في حين كانت عائلة من طائفة معينة تحتفل بالمناسبة بترفٍ لافت، كانت عائلة أخرى من الطائفة ذاتها تغلق باب بيتها وتكتفي باحتفال خجول وبسيط، وصولاً إلى حدّ إلغاء الإحتفال من أساسه بسبب ضيق ذات اليد.

من أبرز الأمثلة على ذلك أنّ بعض قنوات التلفزيون عملت على توزيع جوائز وهدايا مالية على المواطنين في مختلف المناطق. ففي حين كان مواطناً ما يقبض هديته بهدوء وبلا ضجيج في منطقة ما، كان مواطنون آخرون يقبضون هداياهم وسط ازدحام كبير لمواطنين أغلبهم من فقراء ومعدمين، حيث كانوا يتجمّعون ويتوسّلون مراسل هذه القناة أو تلك بأن يعطيهم هدية ما بحجم مليون أو مليوني ليرة لبنانية، بعدما كان المراسل يكتفي بتوزيع 3 أو 4 هدايا فقط على مواطنين تجمّعوا حوله بالعشرات.

مشاهد توزيع هذه الهدايا النقدية على مواطنين والتي كانت تُبثّ مباشرة على الهواء، كشفت عن أزمة معيشية عميقة ومتجذّرة، وعن مشاهد فقر وعوز وفاقة تغرق فيها مختلف المناطق اللبنانية بلا استثناء، وعن هوّة واسعة بين قلّة تعيش في بحبوحة وترف، وأكثرية معدمة بالكاد تستطيع سدّ رمقها.


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal