طرابلس تخسر دورها التجاري والتسويقي التاريخي: شلل الأعياد نموذجاً… عبد الكافي الصمد

من يزر أسواق طرابلس هذه الأيّام يعود بانطباع خائب وشعور بالأسى والحزن على ما وصلت إليه أسواق ثاني أكبر مدينة لبنانية، وأوّل مدينة يوجد فيها العدد الأكبر من الأماكن الأثرية والأسواق التراثية والمحال المختلفة التي تبيع كلّ ما يحتاجه أيّ مواطن في المدينة وجوارها ومختلف المدن والمناطق اللبنانية.

ففي حين تزدحم أسواق المدن اللبنانية الأخرى، الكبيرة منها والمتوسطة والصغيرة الحجم، بالمتسوقين خلال فترة الأعياد، وتشهد الأسواق والمحال والمجمعات التجارية والمطاعم وغير ذلك بالمتسوقين والزوّار والزبائن، وتشهد حركة البيع والشّراء نشاطاً ملحوظاً برغم الأزمة الإقتصادية والمعيشية، وحدها طرابلس تبدو خارج المشهد كليّاً.

فطرابلس التي تحفل بعشرات الأسواق، التقليدية والحديثة، ومئات المحال التجارية المنتشرة في مناطقها كافّة، التي تبيع فيها حلويات وهدايا وألبسة وأحذية وأدوات إلكترونية وكهربائية ومنزلية ومأكولات وغير ذلك مما يناسب حركة الأعياد، تعيش حركة بيع وشراء خجولة شلّت أغلب هذه الأسواق والمحال، دفعت قسماً كبيراً منها خلال الآونة الأخيرة إلى إغلاق أبوابها، وصرف موظفيها وعمّالها، في إشارة إلى ركود كبير تعانيه المدينة على نحو غير مسبوق.

وتزامن ذلك، في السّنوات الأخيرة، مع ولادة أسواق وأماكن تسوّق أخرى في مختلف المناطق الشّمالية، من البترون إلى عكّار، مروراً بالكورة وزغرتا وبشري والمنية والضنّية، إستطاعت تأمين الإكتفاء الذاتي لأهالي هذه المناطق، ما جعل طرابلس تخسر قسماً كبيراً من متسوقيها من مختلف المناطق والطوائف والطبقات الإجتماعية.

لكنّ خسارة طرابلس لم تتوقف عند هذا الحدّ، بل إنّ مناطق التسوق الجديدة جذبت قسماً كبيراً من المتسوقين من خارج المناطق المتواجدة فيها، بمن فيهم متسوقين من طرابلس نفسها، الأمر الذي جعل هذه المناطق تنتعش على كلّ الصعد، على حساب تراجع دور طرابلس الإقتصادي والتسويقي والتجاري.

واللافت أنّ هذا الإنتعاش الذي شهدته مناطق معينة على حساب طرابلس لم يقتصر على فترة أعياد الميلاد ورأس السنة فقط، بل امتد إلى بقية أيّام السّنة، من عيدي الفطر والأضحى إلى شهر رمضان وموسم الصيف، جعل هذه المناطق تجتذب سياحاً ومصطافين ومغتربين كانت طرابلس وجهتهم المفضلة في السّابق، وخسرتهم المدينة تباعاً في السنوات الأخيرة.

هذا التراجع في دور طرابلس ومكانتها الإقتصادية والتجارية بسبب تردّي وضع الخدمات العامّة فيها، وخصوصاً الكهرباء، والفوضى والخروقات الأمنية التي تترجم بالإعتداءات وأعمال السّلب، لم يُحرّك قيادات وفاعليات وقوى المدينة على اختلاف مشاربها لإخراجها من أزمتها، إنّما اكتفوا بالتفرّج على مدينتهم وهي تغرق في أتون أزمات لها بداية وليس لها نهاية، وتركوها تعاني من غير أن يمدوا لها يد العون، وإيقاف مسلسل الإنهيار فيها، الذي يُهدّد بالقضاء على دور تاريخي للمدينة مُهدّد بالزّوال وأن يصبح طيّ النسيان.


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal