لم يمرّ شهر بعد على انتهاء ولاية رئيس الجمهورية السّابق ميشال عون، في 31 تشرين الأوّل الماضي، وخلال هذه الفترة الزمنية القصيرة إستوقفت تصريحات رئيس “التيّار الوطني الحرّ” النائب جبران باسيل العديد من المراقبين، إنْ داخل التيّار البرتقالي أو خارجه على حدّ سواء.
فالنّائب البتروني الذي تحوّل خلال سنوات قليلة إلى قطب سياسي بارز وواحد من اللاعبين الأساسيين على السّاحة السّياسية المحلية، وتسلّق خلال فترة زمنية قصيرة هرم السّياسة في لبنان ووصل إلى قمته، وإنْ بشكل غير مباشر، بفعل مصاهرته الجنرال، فضلاً عن ترؤسه التيّار الوطني الحرّ بتزكية ودعم مباشرين من عون، وتزعمه كتلة نيابية إعتبرها الأكبر على السّاحة المسيحية، ما جعله يرى نفسه، كما آخرين مقربين منه، أنّه الزعيم المسيحي الأقوى، والمرشّح الطبيعي لخلافة عمّه في رئاسة الجمهورية، كما حال الأقوياء الآخرين في بقية الطوائف اللبنانية.
لكنّ هذا “العهد الذهبي” الذي عاشه باسيل طيلة سنوات عون الستّ في رئاسة الجمهورية، بين عامي 2016 ـ 2022، وفي ظلّ الجنرال قبل ذلك، الذي لم يكن يرضى بأن تُشكّل أيّ حكومة لا يكون صهره موجوداً فيها، أو راضياً عنها وعن حصّته، هذا “العهد الذهبي” يبدو أنّ باسيل قد أهدر ـ برأي البعض ـ الكثير من رصيده خلال أقل من شهر.
يرد بعض حلفاء وخصوم باسيل هذه الخسارة إلى جملة عوامل، أولها وأساسها أنّ السّلطة لم تعد في يده، وتحديداً رئاسة الجمهورية، وبالتالي فإنّ تحكمه بالكثير من مفاصل السّلطة لم يعد في يده، كما أنّ حكومة تصريف الأعمال التي يرأسها نجيب ميقاتي ليست مطواعة له كما كان يأمل، بل وصل الأمر إلى حدّ أن بعض الوزراء الذين كان يحسبهم في جيبه قد بدأوا يبتعدون عنه تدريجياً.
يُضاف إلى ذلك أنّ طموح باسيل بخلافة الجنرال في قصر بعبدا إصطدم بجملة عوائق يبدو من المستحيل عليه تجاوزها، تبدأ من أنّ حليفه الوحيد على السّاحة اللبنانية وهو حزب الله ليس في وارد مساعدته بتحقيق طموحات باسيل لأسباب مختلفة، مروراً بالعقوبات الأميركية عليه، وصولاً إلى أنّ ما من حليف سياسي له مستعد لمدّ يد العون له، بعدما دأب باسيل عن قصد أو عن غير قصد، في نسف جسور علاقاته مع القوى السياسية المختلفة، واحدة تلو الأخرى، في خلال عهد عون الرئاسي.
أزمة باسيل لم تتوقف عند هذا الحدّ، بل ارتدت عليه عبر خلافات وانشقاقات داخل القلعة البرتقالية، تمثلت في ابتعاد نوّاب وقيادات خلال فترات متعاقية، أو في إبعاد آخرين لم يرق لباسيل تمرّدهم عليه وعدم الإنصياع له، ما دفع مراقبين إلى توقع أن تكبر كرة الإحتجاج في داخل التيّار البرتقالي في المرحلة المقبلة، وأن يصل الأمر إلى حدّ انفراط عقد كتلته النيابية، إذا ما استمر باسيل في سياسته الحالية التي لم تترك له صاحباً داخل التيّار وخارجه، وهو إنفراط بدأ الحديث حالياً يدور عنه همساً.
Related Posts