إستقلال لبنان و”استقلالات” طوائفه!.. عبد الكافي الصمد

إحتفالات خجولة وقليلة شهدتها مختلف المناطق اللبنانية يوم أمس بمناسبة الذكرى الـ79 للإستقلال، دلّت أنّه برغم مرور 8 عقود على نيل بلد الأرز إستقلاله فإنه ما يزال يفتقر إلى استقلال ناجز وحقيقي، وتوافق داخلي يترافق مع إيمان مواطنيه به وانتماءهم، فعلياً لا قولاً، إليه.
وليس خافياً أنّ الفراغ الرئاسي هو أحد الأسباب التي تقف وراء غياب الإحتفالات الكبيرة والمركزية بذكرى الإستقلال، وهو فراغ ليس الأول من نوعه، فقد حصل ذلك في عام 1988، وفي عام 2007 وفي عام 2014، وصولاً إلى هذا العام، إذ في كلّ مرّة وبسبب غياب رأس الدولة، فإنّ الإحتفالات بالإستقلال تفقد بريقها ورونقها وزخمها.
لكن ليس الفراغ الرئاسي هو السبب الوحيد الذي يقف خلف الإحتفالات الخجولة التي رافقت إحتفالات هذا العام بالإستقلال، ذلك أنّ الأزمة الإقتصادية الخانقة، وانهيار سعر صرف الليرة اللبنانية، وتردي الأوضاع المعيشية للغالبية العظمى من اللبنانيين، جعلت الإحتفالات بذكرى الإستقلال تتراجع في أولويات اللبنانيين، مواطنين وأحزاب وتيّارات وجمعيات وهيئات، ما جعل الذكرى تمرّ مرور الكرام.
وزاد الطين بِلّة أنّ إيمان اللبنانيين ببلدهم ما يزال محل شكّ ونقاش بينهم، ذلك أنّ كلّ طرف وفريق وجماعة وطائفة بينهم تنظر إلى لبنان من منظورها الخاص، ما جعل كلّ فئة من هؤلاء تعتبر أنّ لها “لبنانها” الخاص بها، المختلف عن بقية “اللبنانات” الأخرى، سياسياً وإقتصادياً وإجتماعياً وطائفياً، وأحياناً إلى حدود النقيض.. وصولاً إلى حدود المواجهة والحرب الأهلية (1975 ـ 1990)، التي ما يزال طعمها المرّ والعلقم تحت أضراس اللبنانيين، الذي يبدو أنّ بعضاً منهم مستعد لإعادة تكرار هذه الحرب الأليمة مجدّداً.
والأسئلة التي كانت حاضرة في بلاد الأرز منذ تأسيس لبنان الكبير عام 1920، وبعد نيله إستقلاله في عام 1943، ما تزال موجودة ومطروحة بقوّة حتى السّاعة، وهي أيّ لبنان يريد اللبنانيون، وأين موقعه على خريطة المنطقة والعالم، وهل ينتمي إلى الشّرق أم إلى الغرب، أم أنّه صلة وصل بينهما، وهل التنوّع فيه نعمة أم نقمة، وهل أنّ اللبنانيين تقبّلوا فعلاً هذا التنوّع عن قناعة أم تزلفاً وبشكل سطحي، من غير أن يتجذر فعليّاً في وجدانهم وعقولهم؟
والمفارقة في هذا المضمار أنّ ذكرى الإستقلال هذا العام ترافقت مع إنطلاق بطولة كأس العالم في كرة القدم، المقامة حالياً في قطر، حيث كان لافتاً بالمناسبة أنّ مناصري المنتخبات العربية والأجنبية تنافسوا على رفع أعلام دول هذه المنتخبات فوق سيّاراتهم وبيوتهم وعلى الشرفات وفي المطاعم والمقاهي، بينما كان العلم اللبناني الغائب شبه الوحيد، وبدا يتيماً وسط بحر من الإعلام الأخرى، في ظاهرة ربما غير موجودة في بلد آخر غير لبنان.


Related Posts


 

Post Author: SafirAlChamal