لم تكن حكومة تصريف الأعمال بحاجة الى جلسة لمجلس النواب لكي تمارس عملها في إدارة البلاد في ظل الشغور الرئاسي، في وقت ظهر فيه حجم الكيد السياسي الذي مارسه الرئيس السابق ميشال عون تجاه الرئيس نجيب ميقاتي بتوقيع مرسوم إستقالة الحكومة وتوجيه رسالة الى المجلس النيابي لسحب التكليف.
لا شك في أن التوقيع والرسالة ليس لهما أية قيمة دستورية، فالرئيس عون عاد الى دراته بعد ساعات على توجيه الرسالة وبالتالي لم يعد يملك أن يكلف رئيسا جديدا للحكومة أو أن يوقع مرسوم تأليف، لكن ما حصل كان عبارة عن “غضبة عونية” لـ”مصلحة باسيلية” بعد أن رفع ميقاتي السدود عالية في وجه الرغبات والطموحات والاحلام.
أما وقد عقدت الجلسة التي إنسحب منها نواب تغييريون ومستقلون إحتجاجا على عدم إقتصار عمل مجلس النواب كهيئة ناخبة لرئيس الجمهورية، فقد ألزم المجلس الحكومة بتصريف الأعمال وفقا للدستور، بما يشبه “الثقة” ما يعني أن سحر ميشال عون وجبران باسيل إنقلب عليهما، خصوصا بعدما وضع الرئيس ميقاتي النقاط على الحروف في مسيرة تشكيل الحكومة، وأطلع الكتل النيابية على وقائع وأدلة وبراهين، الأمر الذي إستفز باسيل الذي كان يقود عملية التعطيل، للوصول الى تشكيلة على قياسه تجعله قادرا على التحكم بالسلطة خلال فترة الشغور من دون أن يتحمل مسؤولية أو أن يمنح الحكومة الثقة، وذلك في حالة إنفصام واضحة كانت تتنامى كلما دنا العهد من نهايته.
ولعل اللغم الباسيلي الأخير الذي حمله مدير عام رئاسة الجمهورية في الساعات الأخيرة من العهد الى الرئيس ميقاتي كان أكبر دليل على نوايا رئيس التيار لجهة القبول باصدار مراسيم الحكومة كما هي من دون إعطائها الثقة، وذلك لرفع سلاح الميثاقية المسيحية في وجهها كلما دعت الحاجة، علما أن هذا الطرح الذي تنبه له ميقاتي وكان رده عليه قاسيا بأن “الطائرة تنتظرني للسفر الى الجزائر”، يؤكد عدم التوازن الذي يعاني منه باسيل والذي ظهر في مقابلته الأخيرة بعد إنتهاء ولاية عون.
بات واضحا أن جبران باسيل من دون الرئيس عون هو غير جبران باسيل معه، حيث لم يعد لديه ما يساوم عليه أو يضغط به أو يعطله، بل جلّ ما يهتم به اليوم أمرين، الأول، تعطيل مسيرة حكومة تصريف الأعمال بهدف تفريغ البلد من أي سلطة للوصول الى الفوضى وربما الى التوترات التي تبقيه ضمن المعادلة ويأمل أن تنتهي بتسوية تصب في مصلحته أو تؤمن له بعض المكاسب.
والثاني، ترتيب البيت البرتقالي الداخلي، خصوصا في ظل المعلومات عن الخلافات القائمة بين باسيل وعدد من النواب والتي قد تطفو على السطح بعدما ضاق بعض أعضاء تكتل لبنان القوي ذرعا بسلوك باسيل الذي قد لا يبقى تكتله النيابي بعد إنتهاء العهد على حاله سواء من ناحية العدد أو التأثير، وهذه المعلومات تنفيها مصادر في التيار الوطني الحر، لكن مصادر أخرى فيه تؤكدها.
في المقابل، من المفترض أن يقارب الرئيس ميقاتي القضايا الحكومية بمنطق تصريف الأعمال الذي لن يخرج عنه بموجب الدستور، مع حرصه على عدم إستفزاز أي مكون سياسي أو طائفي في البلد تحقيقا للمصلحة الوطنية، علما أنه في حال إقتضت هذه المصلحة الدعوة الى مجلس وزراء في حال حصول أي طارئ يستوجب ذلك، فإن ميقاتي لن يتوانى عن المبادرة بعد مشاورة كل المكونات، وعندها لن يستطيع باسيل أو غير باسيل أن يعترض أو أن يؤثر قيد أنملة أمام الاجماع الوطني الذي سيتوفر لاجتماع الحكومة.
Related Posts