يرى الراصدون للحركة السياسية في المجتمع اللبناني أن الرئيس الذي سيتم إنتخابه خلال الإستحقاق الجاري لن يفاجأ منذ خطوته الأولى في الدخول الى قصر الرئاسة في بعبدا أن القرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن حول المسألة اللبنانية هي مصدر إنقسام بين اللبنانيين. وقد تعزز الإنقسام حينما رافق إقتراح السلطات اللبنانية مؤخراً بان يتضمن قرار التمديد لقوات الطوارىء المؤقتة في جنوب لبنان (اليونيفيل) شطب الفقرة التي تشير إلى مرجعية القرارين 1559 (سنة 2004) و1680 (2006) ويتناول السلاح غير الشرعي وتحديد الحدود مع سوريا، إذ يعتبر القراران جزء من مرجعيات الأمم المتحدة التي تتناول معالجة مسألة السلاح غير الخاضع للسلطة الشرعية.
ويفيد وليد شقير عبر صفحات “نداء الوطن” في عددها الصادر بتاريخ السابع (7) من أيلول / سبتمبر من العام الجاري 2022 أن الإقتراح اللبناني قد سبب إنزعاجاً لدول أعضاء في مجلس الأمن، أثناء التحضير لصدور قرار التمديد. والمعلوم أن القرار 1701 نفسه صدر في العام 2006 لإنهاء الحرب الإسرائيلية على لبنان، مستنداً في نصه إلى جملة قرارات دولية منها القراران 1559 و1680، وذلك في إطار تأكيد «أهمية بسط سيطرة حكومة لبنان على كامل الأراضي اللبنانية والأحكام ذات الصلة الواردة في اتفاق الطائف». وكان إلغاء هذه الفقرة يعني شطب “مرجعية اتفاق الطائف” كوثيقة تتعلق بمبدأ بسط سيطرة الحكومة على أراضيها وفق التقارير الدبلوماسية الغربية. وشمل الاقتراح اللبناني إلغاء عبارتين في الفقرتين (15 و16) اللتين وردتا في قرار التمديد للقوات الدولية للعام 2021 – 2022 وتنصان على حرية حركة «اليونيفيل» وإدانة تقييد حرية الحركة هذه، وهي المرة الأولى التي يطلب لبنان شطب القرارين المذكورين من قرار التمديد لـ”اليونيفيل”، والمعطوفين على اتفاق الطائف، الذي يستند إليه القرار 1559 نفسه.
ويشير الباحث في الفكر الجيوستراتيجي نبيل خليفة الى أن كل من الولايات المتحدة الاميركية وفرنسا والمملكة العربية السعودية قد أصدرت من مقر الأمم المتحدة في نيويورك يوم الخميس 22 أيلول (سبتمبر)2022 بيانا، حول لبنان يتضمن الدعوة الى إجراء الإنتخابات الرئاسيّة في موعدها الدستوري، واختيار رئيس يمكنه توحيد الشعب اللبناني والعمل مع الجهات الاقليميّة والدوليّة لتجاوز الأزمة الحاليّة وتشكيل حكومة قادرة على تطبيق الإصلاحات السياسيّة والإقتصادية وخاصة تلك المتعلقة بصندوق النقد الدولي وإلتزام هذه الدوّل وإستعدادها للقيام بعمل مشترك مع لبنان لدعم تنفيذ هذه الإصلاحات التي تعدّ حاسمة لمستقبل الإستقرار والإزدهار والأمن في لبنان والتأكيد على دور القوات المسلّحة وقوى الأمن الداخلي اللبناني ومسؤولياتها في حفظ سيادة لبنان وإستقراره، مع إستمرارها في حماية الشعب اللبناني في ظلّ أزمة غير مسبوقة وضرورة قيام الحكومة اللبنانية بتنفيذ أحكام قرارات مجلس الأمن 1559، 1701، 1680، 2650 والقرارات الدوليّة ذات الصلة الصادرة عن جامعة الدوّل العربيّة والإلتزام بإتفاق الطائف المؤتمن على الوحدة الوطنيّة والسلم الأهلي في لبنان.
ويرى خليفة أن إستصدار البيان الثلاثي في هذه المرحلة، وفي هذا التوقيت بالذات يعود الى إعتبارات جيو– سياسية مصيريّة فهذه الدول، ومعها العديد من دول العالم، ليست مرتاحة الى إتجاه الأمور في لبنان بحيث تفرض إيران بواسطة «حزب الله» هيمنتها على وطن الأرز بشكل كامل، المطلوب أن تتصدى هذه الدول ومعها الدول الصديقة للبنان السيد الحرّ المستقل لمحاولات فرض نظام ولاية الفقيه على الجمهورية اللبنانية، وكما يقول ميشال شيحا: «إن كل محاولة تقوم بها طائفة في لبنان للسيطرة بالقوة على بقية الطوائف تكون بمثابة قنبلة لتفجير الوضعية اللبنانية»، والحقيقة، ان الطائفة الشيعيّة عبر «حزب الله» قد ذهبت بعيداً في سعيها لفرض هيمنة كاملة على لبنان: سياسياً وأمنياً واقتصادياً… وبالتالي لا بدّ من إيقافها عند حدّها. وتلتقي كل نقاط البيان الثلاثي حول هذا الهدف! ويلفت خليفة أيضاً الى أن مراجعة متأنيّة لنصّ البيان الثلاثي الأميركي – الفرنسي – السعودي تبرز هدفاً أساسياً وجذرياً يعكس محتوى هذا البيان وهو عمل أي شيء وكل شيء لإنقاذ النظام اللبناني من كافة الصعوبات التي تعترض سبيل الشعب اللبناني في هذه المرحلة من التاريخ. فهو يهدف الى معالجة كافة القضايا التي تكسر قاعدة الضرورة في التجربة اللبنانية، ويعرض بالتالي لكافة المبادئ الإصلاحية المطلوبة لتحقيق الأهداف الأساسية لإرساء نظام لبناني سيّد حرّ ومستقل. وتسعى الدول الثلاث كما أشار هذا البيان لتذكير اللبنانيين شعباً ومسؤولين، بما عليهم لإنقاذ بلدهم من الإنهيار. ولعلّ الأهم في ذلك، هو التذكير بقرارات مجلس الأمن حول القضية اللبنانية ولاسيما القرار 1559 الذي هو المرجعية الأساسية للقرارات الأمميّة حول لبنان وفيه إلغاء المليشيات وسحب السلاح! وخلاصة ذلك، يعكسها كلام للأب ميشال حايك يقول فيه: “ان لبنان هو الوحيد في العالم الذي جعل وجوده قضية لأجلها كان وسيكون أو لن يكون. بدونها لا حاجة لوجوده ومعها وجوده ضرورة عالميّة”، من أجل هذه الضرورة العالميّة كان البيان الثلاثيّ!!
وتعود التقارير الديبلوماسية التي تناولها جورج الحاج على صفحات “اللواء” في عددها الصادر بتاريخ 4/12/1998 ،بالذاكرة الى مجلس الأمن الدولي الذي إنعقد في 23 تموز/ يوليو من العام 1998 ومدد لقوات الطوارىء ستة (6) أشهر تنتهي في نهاية كانون الثاني/ يناير من العام 1999 لتكشف عن أن نصوص القرار رقم 425 الصادر بتاريخ 19 آذار 1978 ،قد أثيرت في الكواليس عشية إنعقاد اللجنة الرسمية وأن المندوبين الأميركي والبريطاني تقدما في معرض التحضير لصيغة – قرار التمديد- بإقتراح إدخال نص على القرار يتضمن الآتي:” إن مجلس الأمن يشدد مرة أخرى على أن ثمة حاجة لتنفيذ القرار 425 بكل “مضامينه ومحتوياته” مما يعني حسب التفسير الأميركي- البريطاني، إجراء مفاوضات مباشرة بين الحكومة اللبنانية والحكومة الإسرائيلية خارج نطاق إتفاقية الهدنة عام 1949 وتحريف مفهوم الهدنة”. ولكن المندوب الفرنسي- خلافاً لموقفه المستمد من سياسته الخارجية في المرحلة التاريخية الراهنة – أعرب حينذاك عن معارضته إدخال أي “كلمة” أو “نص” على القرار من شأنه أن يخرق أو يحرف مفهوم القرار 425 وإقترح بأن يضاف الى مسودة قرار التمديد النص الآتي: “إن مجلس الأمن يعرب عن تأييده لإتفاق الطائف وجهود الحكومة اللبنانية في توطيد السلام والوحدة الوطنية والأمن . وعلل موقفه هذا بأن إتفاق الطائف في بعض نصوصه يعتبر بمثابة إتفاق دولي- إقليمي ليس بعيداً من حيث أهدافه عن روح القرار 425 وسائر القرارات الدولية ذات الصلة بالمسألة اللبنانية، وهنا يضيف – التقرير – تدخل المندوبان الأميركي والبريطاني معلنين تأيدهما للمقترح الفرنسي شرط قبول فرنسا بإستبدال كلمة بكل “مضامين” القرار 425 CONTENT بكلمة بكل “جوانب القرار” ASPECT وهذه الكلمة ليست بعيدة من حيث المعنى عن كلمة “مضامين” الأمر الذي يشير الى أن ثمة وجهة نظر متقاربة بين باريس ولندن وواشنطن حول تحديث وتفسير القرار 425 أمام الرأي العام العالمي … بالتقسيط. كان ذلك في العام 1998 أما مع التمديد لقوات الطوارىء الدولية في آب/ أغسطس 2022 فقد أثير جدلاً جديداً في مداولات التحضير لقرار التجديد، إذ أن البعثة الفرنسية في الأمم المتحدة قد تبنت التعديل اللبناني على نص القرار الذي كان يصدر في كل سنة ويشير إلى مرجعية القرارين المذكورين، وإلى اتفاق الطائف (كونه يتضمن الفقرة التي تنص على نزع سلاح الميليشيات…. وأثار الموقف الفرنسي حفيظة البعثات الدبلوماسية لكل من بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية، فيما عملت بعثة دولة الإمارات العربية المتحدة على صياغة مختلفة عن الإقتراح اللبناني الذي تبنته فرنسا، فجرى تدارك الأمر لاحقاً بعد تداول مسودات عدة نصت على وجوب منع السلاح في منطقة عمليات «يونيفيل»، بالإبقاء على مرجعية القرارين 1559 و1680 في الفقرة الأولى من مقدمة قرار التجديد الذي صدر في 31 آب (أغسطس) 2022 ، كما هي العادة في القرارات السابقة، وأعيد التذكير بهما في الفقرة من المقدمة التي تتناول بسط سيطرة الحكومة على الأراضي اللبنانية كافة، وكذلك في الفقرات التنفيذية التي تتناول وجوب الإنتقال في تطبيق القرار من وقف الأعمال العدائية بين لبنان وإسرائيل إلى وقف دائم لإطلاق النار وحل مستدام. وإنشغل أعضاء مجلس الأمن بالتوافق على فقرات شملت إدانة أعضائه إستمرار الإحتفاظ بأسلحة من قبل مجموعات مسلحة خارج إطار سيطرة الدولة اللبنانية في خرقٍ للفقرة 15 من القرار 1701 الذي يلزم «كافة الدول أن تحول دون تزويد أو نقل السلاح أو أي مواد مرتبطة به… إلى أي جهة أو فرد في لبنان ما عدا ما تسمح به الحكومة اللبنانية»… وتناول القرار الجديد هذه المسألة في الفقرتين 21 و22.
والمفارقة كانت أنه مع إدانة القرار للإنتهاكات للخط الأزرق، تحفظ عدد من أعضاء مجلس الأمن بمن فيهم المندوب الصيني على طلب لبنان إدانة إسرائيل بالإسم لقيامها بخرق القرار 1701 معتبراً أن تلك الإدانة ” غير متوازنة “أما تأييد باريس لبيروت محاولتها تطيير مرجعية القرارين 1559 و 1680 فلا يمكن وصفه بحسب بشارة على صفحات نداء الوطن بالغباء، بل بكونه خنوعاً “ماكرونياً” وتواطاً مردُّه الإنسحاق أمام الصفقات والرغبة بإرضاء ايران في المفاوضات النووية ويذهب فارس سعيد الى أقصى حدود المواجهة معتبراَ أن الإنقلاب على القرارات الدولية قد فشل وأن على الرئيس الجديد تنفيذها أو إخضاعه للعقوبات. أمّا بالنسبة إلى القرار 1559 الذي صدر من قبل مجلس الأمن في 2 أيلول/ سبتمبر من العام 2004، فيميّز سعيد بينه وبين القرار 1701 لأنّه في رأيه «إنبثق من إرادة وطنيّة لبنانيّة». حيث يلفت سعيد إلى أنّه “في خضمّ الحرب الإسرائيليّة على لبنان في العام 2006 أصدرت حكومة الرئيس فؤاد السنيورة في 26 تموز/ يوليو من العام 2006 “ورقة النقاط السبع”التي حملها آنذاك الوزير طارق متري إلى بكركي وإنعقدت حولها قمّة روحيّة، حققت إجماعاً وطنيّاً حول هذه النقاط السبع، حيث إعتبر المجتمعون وقتذاك أنّ هذه النقاط هي التي تنهي الحرب في لبنان. فتوجّه وفد يحملها إلى روما حيث تبنّت معظم الدّول العربيّة والأوروبيّة ورقة النقاط السبع حتّى تحوّلت بعدها إلى قرار دولي تحت الرقم 1701 في مجلس الأمن”. ولكن عدنان السيد حسين الباحث والأستاذ في العلاقات الدولية يُخضع ورقة “النقاط السبع” للمساءلة في الصفحة الخامسة (5) من صحيفة “الشمس” في عددها رقم 9 الصادر في 28 تشرين الأول/ أكتوبر من العام 2006 حيث يتضح من مراجعة النقاط السبع الإفتراق المتزايد بين تلك النقاط والتطبيق العملي لمضمون قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701 بحيث أن هذا القرار لم يدع ُ الى وقف إطلاق النار، وإنما الى وقف الأعمال القتالية وبسط الحكومة اللبنانية سلطتها على كامل أراضيها عبر إنتشار قواتها المسلحة الشرعية وهذا يعني أن قوات (اليونيفيل) معنية بالدرجة الأولى بمساعدة القوات المسلحة اللبنانية لتأكيد السيادة الوطنية براً وبحراً وجواً وان تعزيز القوة الدولية جاء إستناداً الى الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة. اي أنها “ليست رادعة”. ويبقى ثمة سؤال حول طبيعة عمل هذه القوة، كأنها تجاوزت “أحكام الفصل السادس” لتقترب تدريجياً من “أحكام الفصل السابع”؟ ويأتي الجواب الحاسم على لسان سماحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله حينما خص القوات الدولية خلال “مهرجان الإنتصار” أمام الجماهير المحتشدة بلهجة قوية حاسمة “إن اليونيفل المعززة” يجب أن تكون مهمتها في إطار مساندة الجيش اللبناني وليس من مهمتها نزع سلاح المقاومة أو التجسس على حزب الله أو السعي الى إعادة توازن قوى الداخل في لبنان والتدخل بشؤونه”.وهذا ما لفت اليه الرئيس السوري الدكتور بشار الأسد خلال الخطاب الشامل الذي ألقاه في مؤتمر المغتربين السوريين في قصر الأمويين بدمشق لجهة قراءته لمرامي القرار 1559 حيث رأى فيه بأن ليس هناك أية علاقة له بحماية إستقلال لبنان ،كان ذلك في في النصف الأول من تشرين الأول/ أكتوبر من العام 2004 وأكد عليه الرئيس عمر كرامي في حينه “أن القرار 1559 هو قرار مجحف في حق لبنان لأنه يتدخل في أمور داخلية لدولة مستقلة وعضو في الأمم المتحدة، وأن آلية هذا القرار معقّدة والتسرع في تنفيذها ربما يؤدي الى هز الإستقرار في لبنان.
ويذهب أحد نقاد الدور غير المجدي الذي تقوم به هيئة الأمم المتحدة وبروح السخرية التي يتميز بها وتنتظم في كتاب ألفه “فرانسوا تريننجه” يذكر فيه ” إن الأمم المتحدة هي أكبر مستهلك للورق في العالم فتصدر عنها يومياً آلاف الصفحات بلغات شتى تحمل قرارات وتوصيات لا تساوي قيمة الحبر المكتوبة به”.
Related Posts