أعطت جلسة إقرار الموازنة العامة في مجلس النواب أمس، إنطباعا إيجابيا حول مسار الملفات الملحة التي من المفترض أن يُنظر فيها تباعا، بدءا من تنفيذ الاصلاحات التي يلتزم بها لبنان تجاه صندوق النقد الدولي، مرورا بتأليف الحكومة، وصولا الى ملف ترسيم الحدود، وما بين ذلك إستحقاق رئاسة الجمهورية الذي ما يزال يخضع للأخذ والرد وتحديد المواصفات والمعايير والنقاشات داخل الكتل النيابية والتي من المفترض أن تنطبق كلها على الرئيس العتيد.
لا شك في أن الحراك الدولي المثمر الذي قام به الرئيس نجيب ميقاتي على هامش مشاركته في أعمال الجمعية العام الـ 77 للأمم المتحدة، لا سيما على صعيد اللقاءات الدولية الـ15 التي عقدها وأكدت جميعها إستمرار دعم وإحتضان لبنان من المجتمع الدولي، والتي تزامنت أيضا مع البيان الأميركي، الفرنسي والسعودي الداعم لاتفاق الطائف ولاستقرار لبنان، يجب أن يتم تلقفها والاستفادة منها في لبنان الى أبعد الحدود، فلا يصار الى تعطيلها بمناكفات وتجاذبات سياسية، خصوصا أن ما يتطلع إليه المجتمع الدولي وكذلك الدول العربية وفي مقدمتها السعودية هو قيام لبنان بخطوات إصلاحية ومساعدة نفسه لكي يبادر الأصدقاء والأشقاء الى مساعدته.
وبدا واضحا، أن الرئيس ميقاتي أراد أن يكون حراكه الدولي مواكبا للخطوات الايجابية السريعة المنتظرة من إقرار الموازنة الى تأليف الحكومة، حيث من المتوقع أن لا يتأخر في زيارة رئيس الجمهورية ميشال عون (اليوم أو غدا) ليضعه أولا في أجواء اللقاءات التي عقدها في نيويورك والنتائج المتوقعة منها، وليستكمل ثانيا ملف تأليف الحكومة الذي تشير المعلومات الى أن الوساطات السياسية التي بُذلت ساهمت في تذليل الكثير من العقبات التي من شأنها تسهيل الولادة الحكومية في غضون أيام.
يمكن القول، إن الجميع لم يعد يريد لحكومة تصريف الأعمال أن تتسلم صلاحيات رئاسة الجمهورية خوفا مما تم تسريبه مؤخرا من سيناريوهات قد تؤدي الى فوضى أو الى فتنة دستورية، خصوصا أن البلاد التي تكاد تُحتضر لا تحتمل أي توتر من هذا النوع، خصوصا إذا ما أراد أي طرف إستخدام الشارع الذي سيشهد مباشرة تحرك لشارع أو لشوارع مقابلة الأمر الذي قد يؤدي الى ما لا يحمد عقباه، خصوصا في ظل الضعف الذي يسيطر على الدولة بكل أجهزتها.
لذلك، فإن كل الجهود السياسية المعنية تصب في سبيل أن تبصر الحكومة النور لاقفال هذا الباب الذي من الممكن أن تأتي منه التوترات والفوضى، وبالتالي تشير المعلومات الى أن التوافق بات شبه منجزا على تفعيل الحكومة مع تعديلات طفيفة وفقا لسيناريوهين إثنين، الأول أن تشمل التعديلات تبديل وزير المال يوسف خليل (شيعي)، ووزير المهجرين عصام شرف الدين (درزي)، والثاني تبديل أربعة وزراء من طوائف مختلفة هم خليل وشرف الدين، إضافة الى وزير الاقتصاد أمين سلام (سني) الذي سيسمي ميقاتي بديلا عنه من عكار تنفيذا لوعد قطعه لنوابها، على أن يقابل ذلك تبديل وزير مسيحي من حصة ميقاتي يسميه رئيس الجمهورية.
حتى الآن، ما يزال الخياران مطروحان، بانتظار اللقاء المرتقب بين عون وميقاتي للتوافق على الصيغة المناسبة، حيث تشير مصادر مواكبة أنه في حال إستمرت الأمور على هذه الايجابية وإنحصر النقاش في هذين الخيارين فقط فإن الحكومة قد تبصر النور نهاية هذا الاسبوع، إلا إذا حصل ما لم يكن في الحسبان بدخول بعض أدوات التعطيل مجددا، خصوصا أن بعض المتضررين ينشطون في بث أجواء سلبية وشائعات وتسريبات حول خلافات وتباينات، ما يدفع هذه المصادر الى إعتماد مقولة الرئيس نبيه بري: ” ما تقول فول حتى يصير بالمكيول”.
Related Posts