لم يحدث في أيّ بلد في العالم أن تمّت سرقته ونهبه على الطريقة التي تمّت في لبنان، ووصلت إلى حدّ إفلاسه وانهياره واعتباره دولة فاشلة، من غير أن يذهب أحد من أهل السلطة إلى بيته، أو أن يذهب اللصوص إلى السّجن، إنّما بكلّ غرابة وصلت إلى حدّ الوقاحة فقد أعيد انتخابهم وتسليمهم زمام السلطة وكأنّ شيئاً لم يكن.
في بلاد العالم التي يوجد فيها الحدّ الأدنى من الإحترام وسيادة دولة القانون والشّفافية والديمقراطية، فإنّ من يفشل في إدارة البلد يذهب إلى بيته بعد أن يسقط في الإنتخابات، باعتبار أنّ تكليفه مرّة جديدة مسؤولية السلطة أمرٌ لا يستقيم، فمن فشل مرة لا يمكن أن يُعتمد عليه مرّة أخرى، فكيف بمن فشل مراراً وتكراراً على مدى نحو ثلاثة عقود من الزمن على أقل تقدير.
لكن في لبنان تسير الأمور دائماً عكس المنطق. فالطبقة السّياسية التي أحكمت قبضتها على السّلطة بعد انتهاء الحرب الأهلية وإقرار إتفاق الطّائف عام 1989 ـ 1990 بقيت كما هي تقريباً، مع بعض عمليات “الرتوش” التي طرأت بين حين وآخر، إنّما من غير أن تغيّر جوهر السّلطة. فأمراء الحرب وحيتان المال والمصارف ورؤساء الأحزاب والتيّارات السياسيّة وزعماء الطوائف من رجال دين، عملوا بدأب على “تقسيم” الجبنة بينهم، تاركين لعامّة الشّعب الفتات، بعد إرهاق البلد تحت عبء ضخم من الديون.
مع مرور السّنوات، وبرغم أنّ هذه الطبقة السّياسية فشلت في المهمة التي أوكلت إليها، وأنّها تقود البلد نحو الخراب، ولا يمكن التعويل عليها في إنقاذ البلد، فإنّها بقيت ممسكة بقوة بتلابيب السّلطة ومفاتيحها، وكانت بعد كلّ إستحقاق إنتخابي نيابي تفصّل قانونه على قياسها تعود إلى السّلطة أقوى ممّا كانت في السّابق.
الأمر لم يتوقف عند هذا الحدّ، فطوال العقود الثلاث الماضية التي جرى فيها صرف مليارات الدولارات على بناء وإعمار البلد، تبين أنّ كلّ الأموال قد ذهبت سدى تقريباً. فالبنى التحتية متهالكة، والكهرباء التي استنزفت خزينة الدولة شبه معدومة برغم أنّ ما صُرف عليها يكفي لإنارة عدة بلدان أكبر من لبنان مساحةً وسكّاناً، وقطاعات التربية والصحّة والتعليم والإتصالات والزّراعة والصناعة والسّياحة، وهي القطاعات الأكثر إنتاجاً وتوفيراً لفرص العمل ما زالت تعمل وفق عقلية جيل الستينات والسبعينات، أيّ أنّها تعيش في عالم آخر غير مرتبط تقريباً بالواقع وتطوّره.
وفوق ذلك كلّه، فإنّ من نهبوا البلد وأفلسوه، وقادوه نحو الإنهيار، وتسبّبوا في زيادة نسب الفقر والجوع والعوز والبطالة والإفلاس، وهرّبوا أموالهم إلى الخارج خلال السّنوات الأخيرة، وحرّضوا المواطنين على بعضهم سياسياً وطائفياّ ومذهبياً، لم يحكم على أيّ منهم بالسجن، ولم يعزل أحد من منصبه، ولم يسقط أحد منهم في الإنتخابات النيابية، ولم يغب تمثيل أحد منهم في أيّ حكومة، ما أبقى البلد في دوّامة لا يبدو أنّه سيخرج منها، لا قريباً ولا سليماً.
Related Posts