تكبير حجر الأزمة يعني استفحالها واستمرارها طويلاً… عبد الكافي الصمد

منذ اندلاع شرارة الحَراك الشّعبي في 17 تشرين الأوّل عام 2019 بدأت معالم الإنهيار تظهر تباعاً، وإنْ كانت مؤشّرات هذا الإنهيار قد حذّر منها كثيرون في أوقات سابقة، إستناداً إلى عدّة معطيات ووقائع كانت بحوزتهم، لكنّ كثيرين كانوا يحاولون تكذيب الواقع الذي كانوا يلمسونه ويرونه أمام أعينهم، أملاً في أن تكون الأزمة مجرد غيمة صيف.. وتمرّ.

غير أنّ الأزمة كانت عميقة جدّاً إلى حدّ أنّ من قدّروها جيداً كانوا قلًة، وأنّ الحًراك الشّعبي كان مجرد “غطاء” للتعمية على الأزمة الإقتصادية والمالية الخانقة التي قادت لبنان إلى عتبة الإفلاس، وهي مستمرة في قيادته نحو الأسفل، وقد إنعكست على مختلف المجالات المعيشية والإجتماعية والصحيّة والتربوية، وعلى بقية القطاعات الإنتاجية، لتضربها في الصميم.

مع مرور الأيّام كانت الأزمة تتفاقم أكثر فأكثر، من إنهيار سعر صرف الليرة اللبنانية بشكل غير مسبوق أمام الدولار الأميركي وبقية العملات، من 1500 ليرة لكل دولار عام 2019 إلى أكثر من 36 ألف ليرة اليوم، ومؤشّرات إنهيار سعر الصرف لا تطمئن أنّ الأيّام المقبلة سوف تكون أفضل، ما أفقد العملة الوطنية قيمتها الشرائية، وجعل رواتب ومداخيل اللبنانيين بالكاد تكفيهم الأكل والشّرب، في موازاة أزمة المصارف التي حجزت على أموال المودعين، الذين وجدوا أنّ جنى أعمارهم قد طار من غير أن يستطعيوا إلى ردّه والحفاظ عليه سبيلاً.

خلال السّنوات التالية كانت كرة الإنهيار تكبر تدريجياً، والأمثلة على ذلك كثيرة، وهو إنهيار لم يسلم منه أيّ قطاع أو فئة من اللبنانيين. قطاع المحروقات كان أبرز هذه القطاعات التي لم تعرف إستقرارا، وما يزال، بعد ارتفاع أسعار المحروقات خلال السّنوات الأربع الماضية أكثر من 35 ضعفاً، وهو إرتفاع جعل كلّ شيء يرتفع سعره معه، عدا عن أزمات قطاعات الصحّة والأدوية والطحين والخبز والمواد الغذائية، من غير نسيان الأزمة القديمة ـ الجديدة وهي أزمة الكهرباء التي استنزفت خزينة الدولة وما تزال غائبة، وأزمة مولدات الكهرباء الخاصة التي استنزفت المواطنين، خصوصاً الفقراء وذوي الدخل المحدود والموظفين، الذين باتت مداخيلهم ورواتبهم بالكاد تساوي فاتورة إشتراك عن شهر واحد.

خلال هذه الفترة كانت أرقام الهجرة، الشرعية وغير الشرعية تكبر يومياً، ومعها أرقام البطالة والإفلاس والركود والتسرّب المدرسي، وكذلك نسبة الفقر التي ارتفعت لتطال 80 في المئة من اللبنانيين، من غير أن يتبرع أحد من المسؤولين خلال كلّ سنوات الأزمة لإيقافها في المرحلة الأولى، ومعالجتها والخروج من القعر الذي وصل إليه البلد في المرحلة الثانية.

إنقسم المسؤولون خلال سنوات الأزمة إلى نوعين: الأوّل تجاهلها وكأنّ الأمر لا يعنيه، ولم يفكر إلى في مصالحه الضيّقة؛ والثاني حاول ترقيعها قدر الإمكان، فكانت النتيجة في الوضع الذي وصل إليه لبنان حالياً، ما يعني ببساطة أنّ استمرار الأزمة سيطول، وبأنّ معالجتها بعد استفحالها سيكون بالغ الصعوبة، وأنّ الذي كان يمكن القيام به بالأمس لن يكون ممكناً القيام به اليوم، والذي يمكن فعله اليوم لإنقاذ البلد لن يكون ممكناً ولا ناجعاً فعله غداً.


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal