إذا لم يكن هذا إنهياراً فماذا يكون؟… عبد الكافي الصمد

في السّاعات الـ48 الماضية تفاعلت أزمة إنقطاع التيّار الكهربائي في لبنان على نحو غير مسبوق، فقد أُعلن أنّ بواخر الفيول لن تصل إلى معامل الكهرباء المتوقّفة عن العمل بسبب نفاد مخزونها منه قبل 17 أيلول المقبل، وترجم ذلك في العتمة التي شملت لبنان كلّه تقريباً، وصولاً إلى مطار بيروت الدولي الذي انقطع عنه التيّار الكهربائي، وتعطّلت أجهزة كثيرة داخله، ما أعطى صورة مظلمة عن واقع البلد المصاب بالعتمة الشّاملة.

يحصل كلّ ذلك بينما لبنان يغرق في أزمات تزداد تعقيداً يوماً بعد آخر، وتتفاقم الأزمات فيه إلى حدّ باتت عصيّة على الحل، بينما يخرج على اللبنانيين بين وقت وآخر بعض السّياسيين والمراقبين يحذّرون من إنهيار البلد، وكأنّ ما حصل ويحصل فيه منذ نحو ثلاث سنوات ليس إنهياراً، وسقوطاً نحو قعر الهاوية.

فعندما تنهار العملة الوطنية في غضون 3 سنوات أكثر من 20 ضعفاً على الأقل، من 1500 ليرة مقابل الدولار، إلى أكثر من 32 ألف ليرة لكل دولار، وسط مخاوف من أن يتزايد الإنهيار أكثر، وتتراجع قيمة الليرة اللبنانية بشكل تدريجي، وتفقد الكثير من قيمتها الشرائية، ألا يُسمى ذلك إنهياراً؟

وعندما ترتفع أسعار المحروقات في غضون ثلاث سنوات من 30 إلى 35 ضعفاً، سواء كان البنزين أو المازوت أو الغاز، بينما رواتب اللبنانيين ومداخيلهم بقيت كما هي أو تراجعت على الأغلب، ألا يسمى ذلك إنهياراً؟

وعندما تختفي الأدوية من الصيدليات، من حليب الأطفال إلى أدوية مرضى السّرطان فضلاً عن أدوية الأمراض المزمنة، كما تنفد من المستشفيات والمستوصفات، وبعدما شهدت الأدوية إرتفاعاً مذهلاً بشكل بات يفوق قدرة أغلب اللبنانيين على شرائها أو معالجة أنفسهم في أحد المستشفيات، ويفقد الإنتماء للضمان الإجتماعي وتعاونية موظفي الدولة أيّ معنى، ويغيب من فوق رأس المواطن أيّ خيمة تحميه من الأمراض وتكاليفها، ألا يسمى ذلك إنهياراً؟

وعندما ترتفع أسعار المواد الغذائية والسّلع الأساسية، من ربطة الخبز إلى الحبوب واللحوم والأجبان والألبان والخضار والفواكه وغيرها، بشكل باتت تفوق قدرة السواد الأعظم من اللبنانيين على شرائها، الذين دخل الفقر والعوز والجوع إلى بيوتهم بلا استئذان، وجعل أكثر من 80 في المئة منهم يعيشون تحت خط الفقر، ألا يسمى ذلك إنهياراً؟

وعندما يبدأ الأمن والأمان ينحسران في لبنان بسبب تراجع هيبة القوى الأمنية التي بدأ عناصرها يعانون تداعيات الأزمة المعيشية، وتذمرها من إهمال الدولة لهم، في موازاة إنفلات الوضع الأمني الهشّ، وهيمنة الزعران على الشّارع، وانتشار السلاح، وتكاثر حوادث القتل وإطلاق النار والسّرقة والسّلب يومياً، وازدياد الخوف عند اللبنانيين ليصبح حالة مرضية، ألا يسمى ذلك إنهياراً؟

وعندما تستفحل الأزمات السياسية بين أهل السلطة، وتنذر بسقوط الهيكل فوق رؤوس الجميع من غير أن يتراجع أحد عن مواقفه ومصالحه، ويُضحّي لأجل البلد، ألا يُسمى ذلك إنهياراً؟

وعندما يحصل كلّ ذلك ولا يذهب أركان الطبقة السّياسية التي حكمت البلد طيلة العقود الثلاث الماضية إلى السجن، على الأقل، ولا تتم محاسبتها، بل يعاد إنتخابها وتجديد نفسها، وتسليمها رقبة البلاد والعباد برغم الموبقات التي ارتكبتها، ألا يسمى ذلك إنهياراً؟


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal