الصراع ما بين الرئاستين الأولى والثالثة كل له أهدافه.. لماذا بهذا التوقيت!.. جميل رعد

انفجر الصراع بين الرئاستين الأولى والثالثة، مع العلم أن مستوى التعاون والتنسيق بين الرئيس ميشال عون والرئيس نجيب ميقاتي الذي تجلى في الحكومة الماضية بلغ مراحل متقدمة، بل أكثر من ذلك، فالبراغماتية والمسؤولية اللتين تحلى بهما الرئيس ميقاتي والواقعية التي آمن بها الرئيس عون فرضت معادلة تنسيق واضحة ومتقدمة جدا، مما اعاد الانتظام الى المؤسسة الأم مجلس الوزراء وعكست الكثير من الايجابية سواء مع المجتمع الدولي أو على مستوى القوى السياسية داخليا رغم الأزمات العميقة التي شهدها لبنان.
المراحل الدقيقة في الاقليم الذي يعيش حيوية سياسية غير مسبوقة لتحديد مستقبله السياسي في أوجها اليوم، فالمفاوضات على الملفات الساخنة قائمة على قدم وساق بدءا بالملف النووي الايراني الذي بحسب التسريبات أضحى قاب قوسين او ادنى، مرورا بالمفاوضات بين طهران والرياض، وصولا الى التنسيق التركي ـ السوري، وترسيم الحدود بين لبنان وفلسطين والذي يسير على سكة الحل، والتهدئة السارية المفعول باليمن الذي يدور بفلك المفاوضات.
كل ذلك، يشير الى التبريد والتهدئة ما يصب في مصلحة تفاهمات ستأخذ طريقها ووقتها الى حلول سياسية ولبنان لن يكون بمعزل عنها.
ليس من السهل الاعتقاد ان كبار قادة لبنان ومسؤوليه يحملون نزعة ذاتية طائفية او مذهبية لأن تلاقي الطوائف والمذاهب ليس جديدا وله سوابق بالتاريخ، الا اننا نسمع من بعض القيادات تجاذبات لها طابع طائفي في هذه المرحلة وتحديدا ماروني – سني، ولو عدنا بالتاريخ الى الوراء منذ نشأة لبنان لوجدنا ان هذا الصراع عند كل استحقاق وأحلاف بالمنطقة ينفجر لتأتي التسوية وتعيد صياغته، فمنذ 1943 الى اليوم ومع دخول لبنان تاريخيا حلقة الاحلاف والمحاور، من حلف بغداد الذي انقسم لبنان حوله عاموديا على المستويين الرسمي والشعبي، حيث كان الرئيس كميل شمعون الى جانب حلف بغداد والرئيس رشيد كرامي الى جانب جمال عبدالناصر، وما تلا ذلك من تجاذبات بين الرئاستين الأولى والثالثة على هذا المنوال ومازلنا نلمسها في الحركة التصعيدية بالوقت الراهن.
من أسباب التجاذبات في الظرف الراهن والصراع ما بين الرئاستين ان هنالك من يعتقد انه قادر على الرجوع الى ما قبل الطائف لاستتباع رئاسة الحكومة الى الرئاسة الأولى، فالرئيس رشيد كرامي دخل في مواجهة مع الرئيس كميل شمعون عام 1958، كذلك فعل عبدالله اليافي عام 1968 وصائب سلام عام 1973،الى أن جاء الطائف ليعمل على إصلاح الخلل القائم بين الرئاستين، لكن بعد إتفاق الدوحة حصل خلل آخر لجهة خلق أعراف جديدة نتيجة التسوية على وقع 7 أيار، والاصطدام السياسي الذي تفاقم وتحولت الرئاسة الثالثة الى فك إشتباك ولربما ساهمت تسوية 2016 الرئاسية بين جبران باسيل وسعد الحريري نوعا منتقاسم النفوذ وتوزيع الحصص بينهما.
لكن الأزمة عادت وإنفجرت راهنا بين طرفي التسوية وبسقوطها برز الرئيس ميقاتي المعروف بدوره في ادارة الأزمات كحالة من خارج سياق التسويات المحلية او تقاسم الحقائب والتحاصص وأن حكومته لا تصلح ان تكون حلبة صراع انما حكومة يتم الاتفاق عليها كضرورة لادارة المرحلة بعد الفشل الذريع لحكومة حسان دياب التي هي من لون واحد وسقوط تجربة التكنوقراط المقنع.
هنا تكمن الاشكالية حيث استمر فريق باستهداف رئاسة الحكومة لجعلها ملحقة به بينما يعمل الرئيس ميقاتي للحفاظ على مكانة الموقع كحامي للتوازنات، فالسنة في لبنان هم العامود الفقري للحفاظ على صيغة البلد التي لا تزال هويته مركبة. كما ان اي محاولات لاستهداف رئاسة الحكومة وبشخص رئيسها نجيب ميقاتي سيؤدي الى خلل سياسي كبير، والمراهنون على هذا الاستهداف وعلى المس بالطائف كدستور سييجدون أنه يعيق اي حل بلبنان، في حين أن البقاء على ايجاد مخارج للأزمات يفرض على الجهات التوتيرية ايجاد نقاط التقاء ما بين الرئاستين وغير ذلك فان ما يحصل من شأنه أن يهدد الكيان برمته بعد ان بلغ الانهيار الشامل فيه مبلغا غير مسبوق.
لم يعد هنالك امكانيات للمحاصصة أو تحسين الشروط السياسية امام التحولات الكبرى في المنطقة وعلى حساب الواقع السني في لبنان وليتعلم من يريد أن يتعلم من قراءة قيادات لبنانية تتلمس خطورة الواقع بالاستدارة وتدوير الزوايا للتفاهم حتى مع خصمهم السياسي، فوليد جنبلاط المواكب للتحولات الكبرى يتجه الى ربط النزاع مع حزب الله الذي خاض حربا ضده، وليتعلم من يريد أن يتعلم أيضا، أن التصلب الذي دفع البعض عام 1989 الى دفع أثمان بالغة، أدت الى إقصاء مكون أساسي في البلد لعدم قراءتهم السليمة للتحولات الكبرى بعد الطائف، خصوصا أن الدول المؤثرة بملفات المنطقة ولبنان ليست جمعيات خيرية، والاتفاقات الكبرى قد تمحي وتلغي اية مجاذفات او مراهقات صغيرة، والذي لم يتعلم من التاريخ لا يمكن له ان يتعايش مع المستقبل..


Related Posts


 

Post Author: SafirAlChamal