في الوقت الضائع: هل نترك البلد في مهب الريح؟… جميل رعد

ما إن انتهت الانتخابات النيابية، حتى استقالت الحكومة وفق الدستور، وبدأت مرحلة الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية رئيس حكومة جديد.

 وكما كان متوقعاً، تمت تسمية الرئيس نجيب ميقاتي لتولي رئاسة الحكومة، ولكن بنسبة أصوات لا تتعدى ٥٤ نائبا، مما عكس حالة التخبط واللامسؤوليه التي تعيشها القوى السياسيه فبدل تكاتف الجهود لإنجاح التكليف بالواقعية التي يمتلكها الرئيس ميقاتي سواء بعلاقاته الإقليمية والدولية أو حتى بشخصيته المرنه داخليا وبالمهمة الموكلة لمحاولة إخراج البلد من حالة الفوضى والانقسام والواقع المتردي إجتماعيا وإقتصاديا ، فأوحت الإستشارات بالتسميه لإحتمال فرملة التشكيل، وتعقيد الامور المعقدّة أصلاً، وبدأت تُطرح العديد من الأسئلة ومنها لمصلحة مَن حالة اضعاف موقع رئاسة الحكومة، أو بالأحرى موقع الطائفة السنية؟

صحيح أن ما جرى طيلة السنوات الماضية وخاصة منذ تسوية ال ٢٠١٦ اي التسوية التي أفضت الى انتخاب الرئيس ميشال عون، أضعف موقع رئاسة الحكومة، وتحوّل مجلس الوزراء إلى صيغة تحاصصية.

غير أن هذا الواقع لم يعد ممكنا في ظلّ تزايد الانهيار والافلاس والواقع المعيشي وباتت الحاجة ملحّة إلى استعادة هيبة الدولة، وانطلاقا من مجلس الوزراء كسلطة تنفيذية تتابع انتظام المؤسسات والنظام العام، وتحمي المجتمع من مخاطر التجويع التي تتهدّده، وكثير منها مخطّط له مسبقاً.

وبالرغم من تراكم الازمات واستمرار الانهيار العام لا تزال أغلب القوى السياسية تبحث عن مكاسب ضيقة جديدة ضاربة بعرض الحائط معاناة الناس، والانهيار الشامل الذي بات واقعاً ملموساً، مما عقد تسهيل تشكيل حكومة جديدة، وادخل البلاد في مراوحة سلبية نتيجة تعنت فريق لا يزال يعتقد أن له اليد الطولى في السيطرة والنفوذ. 

لا شك في ان الوقت المتبقي على نهاية العهد هو اشهر فقط، وهذا كان يتطلب حكومة سريعة لاستكمال بعض الملفات الملحة، ولينقذ نفسه من أتون الاتهامات بالتعطيل وليشعر الرأي العام أنه جاهز للتضحية في سبيل وقف الانهيار الاقتصادي، وانتظام عمل المؤسسات فأصبح الواقع المأزوم بالبلد يلامس حتى لقمة الخبز عند المواطن..وأمام الاستحقاقات الكبيره التي بحاجه البلد فيها لحكومه لتبديد هاجس المواطن على مصيره، وترسيم الحدود البحرية وخطة انقاذ الكهرباء ومفاوضات صندوق النقد،فضلا عن الأمل المرتجى من النفط كأهم عامل إنقاذ للواقع المتردي ومواضيع أخرى للانتظام العام بمؤسسات الدوله نجد أن الحسابات الشخصية والمحاصصه، ورهانات القوى فيما يتعلق بالانتخابات الرئاسية قد عقد المشهد، وجعل تأليف حكومة ضرورية لمجابهة المشاريع الحساسة، أمراً مستعصياً، وبدون شك أن الفترة الممتدة من الانتخابات النيابية حتى الانتخابات الرئاسية مهمة جدا وتكاد تكون الأهم في تاريخ لبنان في ظل المستجدات السياسية على مستوى المنطقة وما جرى من تحولات كبرى على مستوى العالم من صراعات استراتيجية والمزاحمة الأميركية الروسية ونشوء محاور جديدة يدفع إلى مزيد من الازمات في المنطقة وخاصة الصراع المستجد وهو الغاز.

كل هذه المعطيات لا تعطي الداخل اللبناني حقّ الدلع والترفيه، بل تفرض هامشاً مستقلاً لحوار داخلي سريع لبلورة صيغة او تسوية داخلية، لكن التعقيدات المطروحة تجعله جزءا من الصراعات وهنا يطرح سؤال عن هوية لبنان ودوره …وايضا يطرح سؤالا عن مدى قدرة لبنان الابتعاد عن الاشتباك الإقليمي.

ان استمرار الضغوط الأميركية على لبنان ومنع لبنان من استخراج الغاز في البلوكات المحسومة ٢ و٣ و٥ و٨ يؤكد استمرار الحصار الاميركي وهذا يعقد المشهد الداخلي اللبناني، وتصبح عملية التأليف معقدة وهى بكل الحالات جاءت بالوقت الضائع. 

في ظلّ التعقيدات الجارية في المنطقة، وعلى المستوى العالمي، كان الحريّ بالقوى السياسية مساعدة الرئيس ميقاتي على التأليف بما هو متاح لتمرير الوقت بأقل أكلاف كون الرئيس ميقاتي يتمتع بعلاقات إقليمية ودولية تسمح له بذلك الهامش المفقود، وتحمي لبنان واللبنانيين من مخاطر ارتدادات التعقيدات المحيطة به من كل صوب. 

الكاتب: جميل رعد

كاتب سياسي لبناني

Post Author: SafirAlChamal