أين يذهب فيول الكهرباء؟… عبد الكافي الصمد

تكاد إسطوانة أزمة الكهرباء هي ذاتها لا تتغيّر منذ سنوات، حتى بات المواطنون يحفظونها عن ظهر قلب، يردّدونها على شكل سخرية لاذعة وانتقاد قاسٍ، خصوصاً مع بقاء الأزمة واستفحالها سنة بعد أخرى.

تتلخص هذه الأزمة التي تلازم اللبنانيين منذ سنوات وعقود في عبارات وجمل قليلة، تفيد أولاً أنّ مخزون الفيول في معامل إنتاج الكهرباء قد قارب على النفاد، أو نفد، ما سيؤدّي عملياً إلى انقطاع التيّار الكهربائي، أو خضوعه لتقنينٍ قاسٍ، وبأنّ باخرة أو بواخر فيول تنتظر في عرض البحر قبض أصحابها ثمنها قبل تفريغ حمولتها، وبعد أيّام من الإنتظار ودفع الأموال يجري تفريغ حمولة الباخرة أو البواخر، التي يتبين أنّها حمولة بالكاد تكفي تشغيل معامل إنتاج الكهرباء أيّاماً قليلة، تعود الأزمة ـ الإسطوانة إلى نقطة الصفر.

طوال هذه السّنين طُرحت أسئلة كثيرة لم يجب على أيّ منها أحد من المسؤولين، سواء في وزارة الطاقة وهي الوزارة المعنية بالموضوع، أو الحكومات المتعاقبة، أو أحد من أركان أهل السّلطة. من هذه الأسئلة: لماذا لا تكفي كميات الفيول التي يتم شراؤها إلا أيّاماً قليلة، برغم أنّ مسؤولين يقولون إنّ الكميات المشتراة تكفي فترات أطول، فأين تذهب هذه الكميات، وهل لا يوجد خزّانات كافية لتخزين الفيول إحتياطياً، وكيف أُنفق على قطاع الكهرباء خلال العقود الثلاثة الأخيرة أكثر من 45 مليار دولار من غير تحضير خزّانات إضافية واحتياطية، أو بناء معامل كهرباء جديدة، أو تأمين بدائل أقلّ تكلفة مادية وأكثر صداقة مع البيئة لتأمين التيار الكهربائي، مثل معامل الإنتاج على المياه، أو الرياح، أو أخيراً على الطاقة الشّمسية؟

تفاقم أزمة الكهرباء سنة بعد أخرى كشف تباعاً عن فضائح في هذا المجال، منها أنّ كميات كبيرة من الفيول تُسرق وهي في عرض البحر، ويتم تصديرها من هناك إلى دول أخرى، وأنّ كميات أخرى تُسرق بعد دخولها الأراضي اللبنانية، مثلما كشفت معلومات قبل سنوات أنّ صهاريج المحروقات التي تنقل الفيول من الباخرة إلى معامل إنتاج الكهرباء لتفرغه في خزّاناتها، مثلما يفترض، يذهب قسم كبير منها إلى خزّانات شركات خاصة، أو تهريبه إلى الخارج، أو محطات محروقات يملكها نافذون في السّلطة، ليستفيدوا ويملأوا جيوبهم ويزيدوا أرصدتهم المصرفية على حساب عامّة المواطنين.

إبتكارات سرقة الفيول لم تقف عند هذا الحدّ، فقد وصلت الجرأة والوقاحة بالسّارقين إلى أن يسرقوا الفيول وهو داخل معامل إنتاج الكهرباء. ومع أنّ بعض هذه السّرقات قد كشف أمرها، فإنّ أحداً لم يتم توقيفه ومحاكمته، بل جرت لفلفة السّرقات وكأنّ شيئاً لم يكن على الإطلاق.

كلّ هذه التعمية من أركان السّلطة المشاركين في عملية السطو على فيول الكهرباء وغيره، أوصل الأمور إلى ما هي عليه اليوم، وواهمٌ من يعتقد أنّه إذا لم تتم محاسبة السّارقين ومحاكمتهم، ووضع حدّ نهائي لهم، وقطع دابر الفساد، سيتم إيقاف هذه السّرقات ولو بعد مئة عام.


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal