الراعي: أداء الجماعة السياسية يثير الاشمئزاز

ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، قداس اختتام اعمال سينودس اساقفة الكنيسة المارونية، في كنيسة السيدة في الصرح البطريركي في بكركي، بمشاركة مطارنة الطائفة في لبنان وبلدان الانتشار.

 

بعد الانجيل، ألقى عظة بعنوان “من يحبني يحفظ كلمتي، أنا أحبه، وأبي يحبه، وإليه نأتي وعنده نجعل لنا منزلا” ( يو 14: 23). 

 

وقال: “ننهي، بنعمة الله وبأنوار الروح القدس، أعمال سينودس أساقفة كنيستنا المارونية المقدس. وقد مكنتنا الرياضة الروحية التي سبقت الأعمال، وغنى المواضيع التي تدارسناها، من أن نعود اليوم إلى أبرشياتنا وأمكنة عملنا بروح نبوي، نقرأ به علامات الأزمنة. لقد جعل منا السينودس المقدس “سكنى الله”، عملا بكلمة الرب يسوع:”من يحبني يحفظ كلمتي، أنا أحبه، وأبي يحبه، وإليه نأتي وعنده نجعل لنا منزلا” ( يو 14: 23). هذا هو منطلق رسالتنا الأسقفية وغايتها: أن نعكس لشعبنا وجه الله، وأن نحمله إليهم، ونقربه منهم بشهادة حياتنا، ونقربهم إليه، حتى يصبح كل مؤمن ومؤمنة “سكنى الله”.

 

أضاف: “إن حفظ وصايا الله يهيئ سكنى الله في الإنسان المحب لله. الله ضيف كبير يستوجب قلوبا كبيرة بنقاوتها. يقول القديس غريغوريوس الكبير: “إذا جاءك صديق غني موسر، فإنك تسارع لتنظيف بيتك، خشية أن تتأذى عيناه من بعض أمور البيت غير اللائقة. هكذا فلينظف المؤمن بيته من سيء الأفكار والأعمال الشريرة، الله لا يسكن فقط في السماء، التي تعني حالة القداسة والسعادة الأزلية، ولا يسكن فوق عنصر السماء، بل في قلب البشر. السماء وجدت للإنسان، بحسب الوصف البيبلي للخلق. فالله خلق عنصر السماء أولا وختم أعماله بخلق الإنسان على صورته ومثاله، لكي يكون مواطن السماء ووريثها”.

وتابع: “مع كل هذا التأكيد، تبقى الصعوبات الجمة التي نواجهها مع شعبنا، وهي متنوعة: مادية ومعنوية، إقتصادية ومعيشية، سياسية وأمنية، فها هو الرب يرسل إلينا “الروح القدس المعزي” الذي يعلمنا كل شيء، ويذكر بما يقوله الرب لنا” ( يو 14: 26).

إنا مع شعبنا نواجه حالات الضيق والحيرة واليأس بقوة هذا الروح، فننطلق دائما بشجاعة ووعي وثبات، وتعضدنا مواهبه ونوره وقوته. حضور الروح القدس، وعمله فينا يشبه الشمس وأشعتها: فكل واحد وواحدة منا ينعم بالشمس وكأنها موجودة من أجله فقط، مع أنها تنير الأرض والبحر وتسود الفضاء. هكذا يعطى الروح لكل من يقبله، وكأنه حاضر له وحده، مع أنه يرسل نعمة تكفي الكون كله. وينعم به كل من يشارك فيه على قدر طاقته (القديس باسيليوس الكبير)”.

وأردف الراعي: “إنا نصلي كي يفتح المسؤولون المدنيون والسياسيون عندنا في لبنان قلوبهم وعقولهم لأنوار الروح القدس ومواهبه فيضعوا حدا لعادة التعطيل، ويسرعوا في حسم الوضع الحكومي والتحضير لانتخاب رئيس جديد للجمهورية من دون أي إبطاء. لا يمكن إبقاء البلاد بدون حكومة وبدون رئيس للجمهورية. وحان الوقت لنحسم أمام العالم ما إذا كنا جديرين بهذا الوطن وبتكوينه التعددي. إن أداء الجماعة السياسية يثير اشمئزاز الشعب والعالم، إذ يعطي الدليل يوميا على فقدان المسؤولية والاستهتار بألآم الشعب ومصير لبنان. هذه مرحلة دقيقة تستدعي اختيار رئيس حكومة يتمتع بصدقية ويكون صاحب خبرة ودراية وحكمة في الشأن العام ليتمكن من تشكيل حكومة مع فخامة الرئيس بأسرع ما يمكن من أجل اتخاذ القرارات الملحة، وأولها المباشرة بالإصلاحات الحيوية والمنتظرة. لذا نرفض تمضية الأشهر القليلة الباقية من هذا العهد في ظل حكومة تصريف الأعمال. ونرفض الشغور الرئاسي والفراغ الدستوري لأنهما مرادفان هذه المرة لتطورات يصعب ضبطها دستوريا وأمنيا ووطنيا”.

 وقال: “أمام هذا الواقع الصعب والحر، شعبنا يتطلع إلى الكنيسة، وواجبنا الراعوي يقتضي منا المزيد من العطاء على مستوى البطريركية والأبرشيات والرهبانيات، وبالتنسيق مع رابطة كاريتاس-لبنان، جهاز الكنيسة الإجتماعي، ومع مثيلاتها. في سبيل حماية شعبنا على أرض الوطن، وعيشه بكرامة، يقتضي منا واجبنا الراعوي وضع كل قوانا وإمكانياتنا ومؤسساتنا لهذه الغاية. وإننا معكم نطالب الأسرة الدولية بالتخفيف عن كاهل لبنان المرهق إقتصاديا ومعيشيا، من خلال إيجاد حل نهائي لوجود اللاجئين الفلسطينيين والنازحين السوريين على أرض لبنان. فالمشاعر الإنسانية والأخوية التي نكنها لهذين الشعبين الشقيقين، لا تلغي التفكير الوطني بمصلحة لبنان. لا يمكن القبول بأن أطرفا عديدة، لاسيما على الصعيد الدولي، تعتبر اللاجئين والنازحين واقعا لا بد من التكيف معه إلى حد الدمج والتوطين والتجنيس. فكيف تدعي هذه الدول حرصها على استقلال لبنان واستقراره، وتعمل على ضرب وحدته؟ هذا منطق تدميري يؤدي حتما إلى تقويض وحدة لبنان، ويفرض علينا التصدي له إنقاذا لكيان لبنان ودستوره الحالي وصيغته الميثاقية”.

 

وأضاف: “صحيح إن التجديد أخيرا لوكالة اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” وتمويلها أمران ضروريان لكنهما غير كافيين. لم يعد المطلوب إدارة وجود اللاجئين الفلسطينيين في لبنان بل السعي الجدي إلى حل هذه المسألة، خصوصا بعد أن تنصل الجميع من قرار “حق العودة”. فإسرائيل لا ترفض فقط عودة اللاجئين بل تشرد يوميا الفلسطينيين المقيمين في الضفة الغربية وقطاع غزة. لذلك وجب على الدولة اللبنانية أن تقوم بجهد استثنائي من خلال التفاوض مع السلطة الفلسطينية والجامعة العربية والأمم المتحدة والدول الكبرى حول مشروع إعادة انتشار اللاجئين في دول قادرة على استيعابهم ديمغرافيا وتأمين حياة إنسانية واجتماعية كريمة لهم. شعب فلسطين لم يخلق ليعيش في مخيم بل في مجتمع يوفر له السكن والعلم والعمل والرفاه. وكيان لبنان لم ينشأ ليكون أرض توطين شعوب المنطقة.

وكذلك بالنسبة إلى النازحين السوريين، فقد حان الوقت ليعودوا إلى بلادهم وبناء وطنهم واستكمال تاريخهم وحماية حضارة أرضهم”.

وختم الراعي: “في عيد الثالوث القدوس وباسمه بدأنا أعمال هذا السينودس المقدس، واليوم بسكنى الثالوث القدوس فينا نعود إلى أبرشياتنا وأمكنة عملنا لنواصل مسؤولياتنا ومتابعة رسالتنا بقوة النعمة وثبات الإيمان. فله كل مجد وتسبيح وإكرام الآن وإلى الأبد، آمين”.


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal