لبنان أمام مفترق طرق.. شكوى أو تفاوض أو تصعيد ومواجهة؟… غسان ريفي

فرضت أزمة الحدود البحرية الجنوبية نفسها على كل الملفات اللبنانية الأخرى، خصوصا أن وصول الباخرة “أنرجين باور” الى حقل “كاريش” ورسوها في القسم الجنوبي من هذا الحقل وعلى مقربة من الخط 29 الذي تُعتبر كامل المنطقة التي تقع شماله هي منطقة متنازع عليها مع العدو الاسرائيلي، وبالتالي فإن أي تحرك باتجاه إستخراج الغاز يعتبر إستفزازا للبنان وتعديا على حقوق الشعب اللبناني.

هذا الملف السيادي والوطني الخطير، يضع الكرة في ملعب رئيس الجمهورية ميشال عون كونه تريث منذ البداية في توقيع تعديل المرسوم 6433، وإنطلاقا من كونه رأس السلطة والقائد الأعلى للقوات المسلحة يفترض به أن يجد الآليات المناسبة للرد على الاستفزازات الاسرائيلية والاعلان عن الخيارات المتاحة أمامه، خصوصا أن المقاومة سبق ووضعت الكرة أيضا في ملعب الدولة اللبنانية ورئيس الجمهورية، مؤكدة جهوزيتها للتحرك دفاعا عن الحقوق اللبنانية، شرط أن أن يصار الى إعلان موقف رسمي يحدد المناطق المتنازع عليها، ويؤكد إنتهاك إسرائيل للسيادة اللبنانية.

لا شك في أن الموقف اللبناني لم يرتق حتى الآن الى مستوى الاعتداء الاسرائيلي الذي يشبه الى حد بعيد الاجتياح الذي حصل قبل أربعين عاما في السادس من حزيران، لكن هذه المرة من البوابه البحرية وسرقة ثروة الأجيال اللبنانية، حيث لم يخرج هذا الموقف عن التصريحات والبيانات، والتي جاءت بعضها ملتبسة، خصوصا من قبل وزير الخارجية عبدالله بوحبيب المحسوب على رئيس الجمهورية الذي أشار في تصريح له أنه في حال كانت الباخرة “أنرجين” ترسو في القسم الجنوبي من حقل “كاريش” فليس لنا علاقة بها كونها منطقة غير متنازع عليها، في حين أن بدء إستخراج الغاز من قاع البحر لن يوفر قسما جنوبيا أو شماليا، وبالتالي فإن ما ستقوم به إسرائيل سيكون بمثابة السرقة الموصوفة لثروة لبنان في تلك المنطقة، خصوصا أن الاستخراج سيفرّغ الحقل بكامله من الغاز.

واللافت أيضا، أن الشركة اليونانية أكدت في أكثر من بيان أن تلقت تطمينات دفعتها الى الابحار باتجاه حقل “كاريش”، فمن أعطى هذه التطمينات للشركة؟، هل الأميركي الذي أرسل موفده آموس هوكشتاين الى لبنان في مطلع العام الحالي لاقناع اللبنانيين بالقبول بالخط 23 وهو حتى الآن لم يعد لتسلم الرد اللبناني على الاقتراح الذي طرحه لهم وبقي طي الكتمان؟، أم أن إسرائيل هي التي طمأنت الشركة؟، وفي كلا الحالتين على ماذا إعتمد الأميركيون أو الاسرائيليون في إعطاء هذه التطمينات؟، هل هو الموقف اللبناني الملتبس؟، أم موقف رئيس الجمهورية من تعديل المرسوم رقم 6433 وتأكيده في أكثر من مناسبة بإعتماد الخط 23 خطا حدوديا والاكتفا بالخط 29 خطا تفاوضيا؟، ولماذا كل هذه الضبابية المعتمدة من قبل رئيس الجمهورية في هذا الملف؟.

تشير المعطيات حتى الآن، أن لا نية لدى أي طرف بالتصعيد، أو بالمواجهة التي قد تؤدي الى حرب، خصوصا في ظل وجود الأميركي على هذه الخطوط كضابط إيقاع، وبالتالي فإن الاتجاه قد يكون نحو تسريع المفاوضات لتفادي أي إضطراب، علما أن لبنان لا يمتلك ترف الوقت، خصوصا أنه متى بدأ العدو الاسرائيلي باستخراج الغاز، ينهي إمكانية التفاوض، بفعل الأمر الواقع الذي أرساه العدو في منطقة متنازع عليها.

لا شك في أن لبنان اليوم يقف في هذا الملف الوطني أمام مفترق طرق، فإما اللجوء الى الأمم المتحدة وتقديم شكوى إستنادا الى الرسالة السابقة التي وجهتها الحكومة اللبنانية لمنع الباخرة من مباشرة عملها، معطوفة الى توجيه إنذار للشركة اليونانية بالاتجاه لمقاضاتها دوليا، أو السعي لاستئناف المفاوضات وإستعجال عودة الوسيط الأميركي للوصول الى الحلول التي تحمي الثروة اللبنانية وتسرّع في الاستفادة منها، أو التصعيد بتوقيع تعديل المرسوم 6433 وإعلان حقل كاريش منطقة متنازع عليها، وما قد يرافق ذلك من خيار عسكري للمقاومة يكون مستندا الى موقف رسمي واضح لتغطية مثل هذا الخيار وما قد يحمله من مخاطر، وهو أمر قد يجد معارضة داخلية من القوى التي لا تريد ردّ الاعتبار لدور المقاومة في الدفاع عن مصالح لبنان وثروته، علما أن هذا الاعتراض هو الوجه الآخر للتفريط بحقوق لبنان وثروته والذي يعتبر في القانون اللبناني خيانة عظمى.


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal