لا يختلف إثنان على أن الرئيس نجيب ميقاتي إرتضى أن يحمل كرة النار وأن يشكل حكومة “معا للانقاذ” في محاولة منه لوقف الانهيار الحاصل على كل صعيد، ولإنجاز بعض الاستحقاقات الأساسية التي من شأنها أن تنقل البلد من ضفة الى ضفة، وان تساهم في تعزيز الاستقرار السياسي والاجتماعي.
ربما قدر الرئيس ميقاتي أن يحمل دائما كرات النار، فبعد إستشهاد الرئيس رفيق الحريري في العام 2005، قاد تلك المرحلة العصيبة وأجرى الانتخابات النيابية بنجاح وهي أعادت تكوين السلطة بعد الزلزال الذي أطاح بها.
وفي العام 2011، وعلى شفا فتنة سنية ـ شيعية ناتجة عن توترات محلية وبركان إقليمي، تقدم الرئيس ميقاتي لقيادة السفينة اللبنانية في بحر متلاطم الأمواج ونجح في إيصالها الى بر الأمان بحكمة شعار النأي بالنفس الذي تعرض لحرب شعواء، ثم تحول ضيفا دائما على كل البيانات الوزارية للحكومات المتعاقبة.
واليوم، يتصدى ميقاتي بصدره لكل أنواع الأزمات ومنها ما هو غير مسبوق في لبنان، ويتحمل كثيرا من الافتراءات التي تدخل ضمن إطار الشعبوية الانتخابية، حيث لا يتوانى نواب الأمة المرشحين الى الانتخابات النيابية عن رفع السقوف، وإدعاء حماية اللبنانيين من قرارات حكومية تهدف الى مواجهة الأزمات التي تسببت تياراتهم وأحزابهم السياسية بها على مدار سنوات من سياسات الارتجال التي طبعت سلوك الدولة اللبنانية برمتها، ما فرض على ميقاتي مواجهة الانهيار والأزمات والاستهداف والتعطيل والحصار، ومؤخرا مصالح المرشحين الرافضين لأي خطوة حكومية غير شعبية خوفا على شعبيتهم المتهالكة أصلا.
ورغم كل ذلك، فإن الحكومة الميقاتية الثالثة نفذت ما تعهدت به في بيانها الوزاري من الانتخابات النيابية التي تدخل اليوم مرحلتها الثالثة باقتراع الموظفين، ومن المفترض أن تصل الى نهايتها السعيدة يوم الأحد المقبل، مرورا بتوقيع الاتفاق مع صندوق النقد الدولي وبدء الخطوات العملية لمساعدة لبنان، وصولا الى إعادة الروح الى العلاقات اللبنانية ـ الدولية التي جسدها رئيس الحكومة في غلاسكو وميونخ والفاتيكان وفرنسا ومصر وتركيا وغيرها، والى إعادة وصل ما إنقطع مع الدول العربية، أما الكهرباء فقد قامت الحكومة بكل الخطوات المطلوبة منها بانتظار السماح الأميركي لمصر والأردن بإعطاء الغاز والكهرباء عبر سوريا الى لبنان وإعفاء الجميع من مفاعيل قانون قيصر.
بالأمس، وخلال مقابلة الرئيس ميقاتي مع قناة الحرة، تناول بإسهاب ما نفذته حكومته التي وضعت حدا لانحدار البلد نحو الارتظام الكبير، وأعطى ملامح مرحلة ما بعد الانتخابات، حيث من المفترض أن ينتخب المجلس الجديد رئيسا له، وأن يسمي رئيسا لتشكيل الحكومة.
لا يغالي نجيب ميقاتي عندما يقول أنه “ليس طالب ولاية، ولا يهرول لها”، خصوصا أن ترؤسه للحكومة الحالية لم يكن بأي حال من الأحوال تشريفا وإنما تكليفا فيه من الصعوبة والمخاطرة والجهد والتعب الشيء الكثير.
وبات معروفا أن إبن طرابلس الذي ما إعتاد يوما التخلي عن الواجب الوطني، لا يهوى تصريف الأعمال، لذلك، في حال إرتأت القوى السياسية تكليفه مجددا للاستمرار بحمل كرة النار وإستكمال الخطوات الانقاذية التي بدأها، فإن ذلك يخضع لشرط أساسي منه، هو تشكيل حكومة سريعة خلال أيام قليلة بعد التكليف.
وفي هذا الاطار، قدم ميقاتي إقتراحا متقدما جدا، يتمثل بإعادة تشكيل الحكومة نفسها كونها تحظى برضى وقبول الأكثرية، ولكونها نجحت في تنفيذ ما تعهدت به، فضلا عن الانسجام والتجانس والتعاون بين كل وزرائها والذي وصفه ميقاتي بأن هناك 24 وزيرا بـ 24 قيراط.
يشير مطلعون الى أن طرح ميقاتي الحكومي منطقي جدا، خصوصا أن الدخول في دوامة تشكيل حكومة جديدة قد يأخذ وقتا طويلا وربما يصل الى موعد الاستحقاق الرئاسي، لذلك فإن هذه الحكومة المقبولة من رئيس الجمهورية والأكثرية السياسية مؤهلة لأن تستكمل عملها لمدة أربعة أشهر الى أن يحين موعد الاستحقاق الرئاسي، وبعد إنتخاب رئيس جديد تقدم إستقالها، تمهيدا لتشكيل الحكومة الأولى في العهد الجديد.
ويرى هؤلاء أن أي محاولة لتشكيل حكومة جديدة بعد الانتخابات على قاعدة أكثرية وأقلية أو ثلث معطل لهذا الفريق أو ذاك، فهذا يعني أن ثمة نية مبيتة بعدم إنتخاب رئيس للجمهورية في الخريف المقبل، وأن البعض يريدون التحكم بالحكومة التي قد تتسلم مجتمعة إدارة الفراغ الرئاسي، مؤكدين أن التعاطي مع الملف الحكومي بعد أسابيع قليلة سيحدد معالم المرحلة المقبلة ومصير الانتخابات الرئاسية.
Related Posts